آية ، ليس به معتبر في جواز قول قتيل آخر قبل الموت.
وقوله : (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ) :
يحتمل : (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) : أن قال : «كن» ـ فكان من غير أب ولا سبب ، وسائر البشر لم يكونوا إلا بالآباء والأسباب : من النطفة ، ثم من العلقة ، ثم من مضغة مخلقة على ما وصف ـ عزوجل ـ في كتابه (١) ، وكان أمر عيسى ـ عليهالسلام ـ على خلاف ذلك.
ويحتمل (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) : ما ذكر أنه كلم الناس في المهد : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ) الآية [مريم : ٣٠]. وذلك مما خص به عيسى ، وهو بكلمة من الله قال ذلك.
فإن قيل : ما معنى قوله : (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) ؛ والكهل : مما يكلم الناس؟ قيل : لأن كلامه في المهد آية ، والآية لا تدوم ؛ كقوله : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ) الآية [النور : ٢٤] ، وإنما يكون ذلك مرة لا أنها تشهد وتنطق أبدا ، فأخبر أن تكليمه الناس في المهد ـ وإن كانت آية ـ فإنه ليس بالذي لا يدوم ، ولا يكون إلا مرّة (٢).
والثاني : أمن من الله لمريم ، وبشارة لها عن وفاته إلى وقت كهولته ، والله أعلم.
وقوله : (اسْمُهُ الْمَسِيحُ).
قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : «المسيح : المبارك» ، أي : مسح بالبركة (٣).
وقيل : سمى مسيحا ؛ لأنه كان يمسح عين الأعمى والأعور فيبصر (٤).
وقيل : المسيح : العظيم ؛ لكنّه ـ والله أعلم ـ بلسانهم ؛ فيسأل : ما المسيح بلسانهم.
وقوله : (وَجِيهاً فِي الدُّنْيا) : بالمنزلة ، ومكينا في الآخرة ، (وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) في الدرجة
__________________
ـ بالقياس عقلا ، وهو رأي النظّام والشيعة.
ينظر : لسان العرب (٥ / ٣٧٩٣) (قيس) ، نهاية السول للإسنوي (٤ / ٢) ، البحر المحيط للزركشي (٥ / ٥) ، الإبهاج لابن السبكي (٣ / ٣) ، الآيات البينات لابن قاسم العبادي (٤ / ٢).
(١) قال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : ١٢ ـ ١٤].
(٢) إذا كانت العادة أن من تكلم في المهد لم يعش.
ينظر : القرطبي (٤ / ٥٨). وقد نقل القرطبي قول أبي العباس : كلّمهم في المهد حين برّأ أمّه فقال : إني عبد الله الآية [مريم : ٣٠] الآية وأما كلامه وهو كهل فإذا أنزله الله تعالى من السماء أنزله على صورة ابن ثلاثين سنة ـ وهو الكهل ـ فيقول لهم : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ) كما قال في المهد.
(٣) أخرجه الطبري (٦ / ٤١٤) (٧٠٦٦) عن سعيد بن جبير ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٥) وعزاه للطبري.
وينظر : تفسير البغوي (١ / ٣٠١) ، وتفسير الرازي (٨ / ٤٤).
(٤) ينظر : الوسيط (١ / ٤٣٧) ، وتفسير الرازي (٨ / ٤٩) ، والبحر المحيط (٢ / ٤٦٠) ، وغرائب النيسابوري (٣ / ١٩٨).