يتناقض ، ولا قوة إلا بالله.
وأيضا ، أنه قد
صيّر كل جوهر بأحداث الآخر ؛ كأنه لم يكن قط ، ولا كان بقى له أثر ،
ثم رده بالوصف الذي كان ؛ حتى لا يفوت منه شيء ، حتى لا سبيل إلى العلم بالتفصيل
بينهما ؛ ليعلم أن قدرته على البعث ، بعد أن يفنى كل الأجزاء والآثار ، على ما كان
، ولا قوة إلا بالله.
وأيضا ، أنه إذ
بنى الأمر على ما فيه من عظيم الحكمة ، وعجيب التدبير ـ لم يجز أن يكون فعله خارجا
على العبث ، ثم في رفع المحنة ، وإبطال الرسالة في تعليم ما في ذلك من الحكمة ،
وما يلزم بمكان ذلك التدبير من الشكر والمعرفة ، ثم من الترغيب فيما يملك من
النعمة ، والترهيب عما عنده من النقمة ـ إبطال الحكمة ، وتقرير العالم مع ما ذكرت
على العبث ، وذلك فاسد في العقول ، وموجود في الجواهر عظيم حكمة منشئها ، ثبت بذلك
العبادة والرسالة والجزاء ، ولا قوة إلا بالله.
وقوله : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ
وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) إلى آخره : يحتمل وجهين :
يحتمل أن تؤتي
ابتداء من غير أن كان آتاهم مرة ؛ وكذلك تنزع ـ أي تمنع ـ ابتداء من غير أن كان
آتاهم ، ثم ينزع ؛ كقوله : (رَفَعَ السَّماواتِ
بِغَيْرِ عَمَدٍ) [الرعد : ٢] رفع ابتداء من غير أن كانت موضوعة فرفعها ؛ وكقوله : (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى
النُّورِ) [البقرة : ٢٥٧] إخراج الابتداء ، لا أن كانوا فيها ثم أخرجهم ، فعلى ذلك
هذا ، وعلى ذلك قوله : (تُولِجُ اللَّيْلَ
فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) إيلاج ابتداء ، لا أن كان أحدهما في الآخر ؛ كقوله ـ تعالى
ـ : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) [القصص : ٧١] و (النَّهارَ سَرْمَداً) [القصص : ٧٢] أخبر أنه لم يجعل واحدا منهما مؤبّدا ؛ وكذلك قوله : (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ
وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) إخراج ابتداء ؛ أن يخلق الحي من الميت
__________________