وقوله : (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) : قد ذكرنا فيما تقدم (١) أنه إنما سمّي فرقانا ؛ لوجهين : أحدهما : لما فرق آياته وفرق إنزاله (٢).
والثاني : لما يفرّق بين الحق والباطل ، وبين الحرام والحلال ، وبين ما يتقى ويؤتى ؛ فعلى هذا كل كتاب مبيّن فيه الحلال والحرام ، وبيّن ما يتقى ويؤتى. والإنجيل فيه سمي إنجيلا ؛ لما يجلي ، وهو الإظهار في اللّغة (٣).
وقيل : سمّى التوراة توراة من أوريت الزند ؛ وهو كذلك (٤). والله أعلم (٥).
وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ ...) : قيل : بحجج الله (٦).
وقيل : كفروا بآيات الله ، أي : بالله (٧) ؛ لأنهم إذا كفروا بآياته كفروا به ، وكذلك الكفر بدينه كفر به ، والبراءة من دينه براءة منه ، والبراءة من رسوله براءة منه.
__________________
(١) تقدم في الآية (٥٣) سورة البقرة.
(٢) قال ـ تعالى ـ : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) [الإسراء : ١٠٦].
(٣) الإنجيل : ـ في الحبشية ـ : ونجيل ، والأصل يونانى : يوأنجليون : المكافأة التي تعطى للبشير ، والبشرى. وهو ما أوحى به إلى عيسى ـ عليهالسلام ـ وعند المسيحيين : سيرة المسيح وأقواله وأفعاله ، وقد نقل بروايات مختلفة ، اعتمدت الكنيسة منها أربعا هي : روايات متّى ، ويوحنّا ، ولوقا ، ومرقص ، وهي الأناجيل الأربعة المعروفة.
وأقدم ترجمة عربية للإنجيل ترجع ـ فيما يروى ابن العبري ـ إلى سنتي ٦٣١ و ٦٤١ م. ينظر : المعجم الكبير : (١ / ٥٣٥) إصدار مجمع اللغة العربية مصر.
وانظر تناقض الأناجيل وتحريفاتها في : «الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح» لشيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه القيم ابن القيم في كتابه : «هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى» ، وللعلامة القرافي كتاب أسماه ب «الأجوبة الفاخرة في الرد على الأسئلة الفاجرة» و «الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام» للقرطبي.
(٤) التوراة : هي كلام الله المنزل على موسى ـ عليهالسلام ـ ليبلغه لقومه لعلهم يهتدون. قال ـ تعالى ـ : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [البقرة : ٥٣].
وتعتبر التوراة التي تحدث القرآن عنها جزءا من الكتب التي فرض الله على المؤمنين الإيمان بها في قوله ـ تعالى ـ : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البقرة : ٢٨٥] ـ والتوراة : لفظ عبري معناه الهدى والإرشاد والشريعة كذلك ـ والتوراة المنزلة على موسى لم يوجد لها أثر لعدة أسباب إلا نذر يسير شاء الله أن تتناقله الألسنة حتى دوّن.
ينظر : الملل والنحل للدكتور طلعت محسن ص (٨١ ـ ٨٢).
(٥) ينظر : معاني القرآن وإعرابه للزجاج (١ / ٣٧٤) ، والزاهر للأنباري (١ / ١٦٨) ، والمحرر الوجيز (١ / ٣٩٨) ، واللسان (٦ / ٤٨٢١) «ورى» ، ومعاني القرآن للنحاس (١ / ٣٤١) ، وتفسير البغوي (١ / ٢٧٧).
(٦) تفسير الرازي (٧ / ١٤١).
(٧) قال الطبري : والذين كفروا هم الذين جحدوا آيات الله ، وآيات الله : أعلام الله وأدلته وحجته. جامع البيان (٦ / ١٦٤).