فى ذلك فساد الأرض.
وقال آخرون : دفع بالرسل والأنبياء شرهم عن المسلمين ، وكفاهم بهم.
وقال غيرهم (١) : دفع بالمؤمنين بعضهم عن بعض ـ دفع بالمجاهدين فى سبيل الله عن القاعدين عن الجهاد ، وإلا لغلب المشركون على الأرض.
وقيل (٢) : بدفع بالمصلى عمن لا يصلى ، وبالمزكى عمن لا يزكى ، وبالحاج عمن لا يحج ، وبالصائم عمن لا يصوم.
ثم اختلف فى قوله : (لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)
قيل : لو لم يدفع بعضهم ببعض لقتل بعضهم بعضا ، وأهلك فريق فريقا ، وفى ذلك تفانيهم وفسادهم ، وفى ذلك فساد الأرض.
وقال آخرون : لو لم يدفع لفسدت الأرض ، أراد بفساد الأرض فساد أهلها ؛ لأنه لو لم يدفع لغلب المشركون على أراضى (٣) الإسلام وأهلها. فإذا غلبوا فسد أهلها.
وقال : (لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) ، إذا غلب المشركون عليها هدمت المساجد والصوامع ، ففيه فساد الأرض. والله أعلم.
وقوله : (وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ).
وعلى قول المعتزلة : ليس هو بذى فضل على أحد ؛ لأن عليه أن يفعل ذلك ، وأن يدفع ذلك كله عن المسلمين على قولهم ، فإذا كان عليه ذلك لا يصير هو بما يدفع مفضلا ولا ممتنّا. فنعوذ بالله من السرف فى القول.
وقوله : (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ).
يحتمل قوله : (آياتُ اللهِ) ، ما ذكره من قتل داود جالوت بالأحجار.
ذكر فى القصة مع ضعف داود وقوة جالوت ، على ما قيل : إن قامته كانت قدر ميل ، وإن بيضته كانت ثلاثمائة رطل.
ويحتمل : ما ذكر من قيام القليل للكثير ؛ لأنه قيل : إن جنود جالوت مائة ألف ، وجنود طالوت ثلاثمائة وثلاثة عشر. وذلك من الآيات.
ويحتمل : جميع ما قص الله عليه فى القرآن من خبر الأمم السالفة. والله أعلم.
وفى قتل داود جالوت ، وقتل القليل الكثير ، دليل : أنهم لم يقتلوا (٤) لقوة أنفسهم ،
__________________
(١) قاله مجاهد بنحوه كما فى تفسير البغوى (١ / ٢٣٥).
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن أبى حاتم والبيهقى فى الشعب عنه كما فى الدر المنثور (١ / ٥٦٧).
(٣) فى أ : أرض.
(٤) فى أ : يصلوا.