والعاكف : المقيم.
(وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) منهما جميعا.
وقيل (١) : العاكفون : المجاورون ؛ يعنى : من أهل مكة والقادمين إليها.
وقوله : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً).
قد ذكرنا الوجه فى قوله : (آمِناً).
وقوله : (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
لما علم أن المكان ليس بمكان ثمر ولا عشب دعا ، وسأل ربه : أن يرزق أهله عطفا على أهله ، وعلى كل من ينتاب إليه من الآفاق.
ثم خص المؤمنين بذلك ؛ لوجوه :
أحدها : أنه لما أمرهما بتطهير البيت عن الأصنام والأوثان ظن أنه لا يجعل لسوى أهل الإيمان هنالك مقاما ؛ فخص لهم بالدعاء ، وسؤال الرزق.
والثانى : أنه أراد أن يجعل آية من آيات الله ؛ ليرغّب الكفار إلى دين الله ، فيصيروا أمة واحدة ؛ فكان كقوله : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ ...) الآية [الزخرف : ٣٣].
ووجه آخر قيل : لما كان قيل له : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) فلعله (٢) خشى أن يخرج ذلك مخرج المعونة لهم على ما فيه العصيان.
وفى ذلك : أن لا بأس ببيع الطعام من الكفرة. ولا يصير ذلك كالمعونة على ما هم عليه.
ويحتمل الدعاء المبهم للكفرة : القبح ؛ إذ ذلك اسم من يعبد غير الله.
وقوله : (قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً).
بالنعم ؛ لأن الدنيا دار محنة ، لا توجب النظر إلى المستحق للنعم من غير المستحق ، ولا إلى الولى من العدو فى الدنيا.
وأما الآخرة فهى دار جزاء ، ليست بدار محنة ؛ فيوجب النظر إلى المستحق للنعم من غير المستحق.
ومعنى قوله : (قَلِيلاً) لأن الدنيا كلها قليل.
ثم الامتحان على وجهين : امتحان بالنعم ، وامتحان بالشدائد.
__________________
(١) قاله مجاهد وعكرمة ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢٠٢٢) ، وانظر تفسير البغوى (١ / ١١٤).
(٢) فى ط : فعله.