فعلى ذلك القصاص ؛ لقوله : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة : ١٩١] ، وما روى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إنّ مكّة حرام بتحريم الله إيّاها يوم خلق السّماوات والأرض ، لم تحلّ لأحد قبلى ولا تحلّ لأحد بعدى. وإنّما أحلّت لى ساعة من نهار. لا يختلى خلاها ، ولا يعضد شجرها ، ولا ينفّر صيدها» (١).
وما روى عن ابن عمر ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : «لو ظفرت بقاتل عمر فى الحرم ما قتلته» وإذا قتل فى الحرم يقتل به هنالك (٢).
والوجه فيه : أن إقامة مثله عليه فيما يرتكبه فى الحرم أحق ؛ إذ هى كفارة ؛ لينزجر عما ارتكب ، وأحق ما يقع فيه الزجر بمثله ، ما هو فيه من المكان.
وإذا قتل فى غير الحرم ، ثم التجأ إلى الحرم ـ قال أبو حنيفة ـ رحمهالله ـ لا يخرج من الحرم.
وأبو يوسف (٣) ـ رحمهالله ـ جعل ذلك للسلطان ، ذهب إلى أنه قال : (وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ
__________________
(١) أخرجه البخارى (٤ / ٤٦ ـ ٤٧) كتاب : جزاء الصيد ، باب : لا يحل القتال بمكة ، حديث (١٨٣٤) ، ومسلم (٢ / ٩٨٦ ، ٩٨٧) كتاب : الحج ، باب : تحريم مكة وصيدها ، وحلالها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام ، حديث (٤٤٥ / ١٣٥٣).
وأبو داود (٢ / ٦) كتاب : الجهاد ، باب : فى الهجرة هل انقطعت ، حديث (٢٤٨٠) ، والنسائى (٧ / ١٤٦) كتاب : الجهاد ، باب : ذكر الاختلاف فى انقطاع الهجرة ، والترمذى (٤ / ١٢٦) كتاب : السير ، باب : ما جاء فى الهجرة ، حديث (١٥٩٠) ، والدارمى (٢ / ٢٣٩) كتاب : السير ، باب : لا هجرة بعد الفتح ، وعبد الرزاق (٥ / ٣٠٩) رقم (٩٧١٣) ، وابن الجارود (١٠٣٠) ، وابن حبان (٤٨٤٥ ـ الإحسان) ، والبيهقى (٥ / ١٩٥) ، والطبرانى فى الكبير رقم (١٠٩٤٤) ، والبغوى فى (شرح السنة) (٥ / ٥٢٠) من طريق منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم الفتح ـ فتح مكة ـ : «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلى ، ولم يحل إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ، ولا يختلى خلاها» فقال العباس : يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم فقال : «إلا الإذخر» ، وهذا لفظ البخارى.
(٢) كما أنه لا خلاف بين الفقهاء فى أن من دخل الحرم مقاتلا وبدأ القتال فيه ، يقاتل ؛ لقوله تعالى : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) [البقرة : ١٩١].
ينظر : تفسير القرطبى (٧ / ١٠٤) ، ابن عابدين (٢ / ٢٥٦) ، والبدائع (٧ / ١١٤) ، جواهر الإكليل (١ / ٢٠٧).
(٣) هو : يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصارى الكوفى البغدادى صاحب أبى حنيفة وتلميذه وأول من نشر مذهبه ولد بالكوفة سنة ١١٣ ه ونشأ فى طلب العلم سمع هشام بن عروة وأبا إسحاق الشيبانى وعطاء بن السائب ، وأخذ عنه محمد بن الحسن الفقيه وأحمد بن حنبل وبشر بن الوليد وغيرهم ، وولى القضاء ببغداد ، وكان أول من دعى قاضى القضاة. من تصانيفه : كتاب الخراج والآثار وغيره ، ومات ببغداد سنة ١٨٢ ه. ينظر : طبقات الفقهاء للشيرازى ص ١١٣ ، والبداية والنهاية (١٠ / ١٨٠) ـ