عظمتها وذروة قوتها في ميادين السياسة والاقتصاد والعلم والثقافة جميعا.
لقد كانت الدولة الإسلامية في تلك
الفترة الدولة الكبرى والأولى والأقوى في العالم كله ، وقد ازداد اختلاط عناصر
السكان فيها بعضهم ببعض ، وظهرت في الحياة العامة أخصب النزعات الاجتماعية
والفكرية والدينية على صعيد واحد .. وزادت في الوقت نفسه أعداد المسلمين في الدولة
مقابل الأديان الأخرى ، وغدا المسلمون بصورة عامة أكثر من نصف السكان .
وبلغ اقتصاد الدولة ذروة قوته وازدهاره
، حتى بلغت الأموال في خزائن الرشيد ما يقرب من ٧٢ مليون دينار ، عدا الضريبة
العينية التي كانت تؤخذ مما تنتجه الأرض من الحبوب ، وحق للرشيد أن يخاطب السحابة
قائلا :
اذهبي حيث شئت يأتينى خراجك .
ومع ذلك ، فإن عهد هارون الرشيد لم يخل
من الفتن والأزمات :
فقد خرج في زمنه يحيى بن عبد الله بن الحسن
العلوي ب «الديلم» يدعو لنفسه ، فقويت شوكته ، والتف حوله الشيعة ، فبعث إليه
الرشيد ، ففت في عضده ، فطلب الصلح من الرشيد ، فصالحه ، ثم أمنه ، ثم حبسه حتى
مات .
وخرج الوليد بن مطرف الشاري وحقق
انتصارات على جيوش الرشيد ، وأفسد في الأرض ، فبعث إليه الرشيد يزيد بن مزيد
الشيباني فهزم الوليد وقتله .
وفي عهد الرشيد لم تكف حركات البربر في
إفريقية ؛ رغبة في الخروج عن الحكم العباسي ، ولكن الرشيد بعث إليهم هرثمة بن أعين
فقضى على هذه الحركات ، وعمل الرشيد على قيام دولة الأغالبة لصد هجمات البربر
والوقوف في وجه دولة الأدارسة ، لكن
__________________