الخلافة عشر سنوات (١٥٨ ـ ١٦٩ ه) ، وامتازت ولايته بالاعتدال والرفق بالرعية ، بعد أن أرهقها المنصور إبان خلافته من أمرها عسرا ، «فرد الأموال التي صادرها أبوه إلى أهلها ، وأطلق العلويين الذين حبسهم أبوه ، وعفا عنهم وأجرى عليهم الأرزاق» (١).
ومن الثورات والفتن التي وقعت في عهد المهدي :
خرج عبد السلام بن هاشم من الخوارج في الجزيرة ، واشتدت شوكته وكثرت شيعته وأنصاره فعاث في الأرض فسادا ، فأرسل إليه المهدي عدة قواد هزم بعضهم ، لكنه في النهاية هزم وفر إلى قنسرين حتى قتل بها.
كما خرج عبد الله بن مروان الأموي ببلاد الشام ، فأرسل إليه المهدي من هزمه وأسره ، فحبسه المهدي ثم عفا عنه وأجزل له العطاء (٢).
بيد أن أكثر هذه الثورات أهمية وأعظمها خطرا على سياسة الدولة واستقرار المجتمع ، تلك التي حمل لواءها الزنادقة ، فقد أذاعوا في المجتمع مبادئ فاسدة تخالف أصول الإسلام أشد المخالفة ، وهي مبادئ تقوم على نوع من الديمقراطية الفاسدة التي تبيح المحرمات وتعبث بالآداب الاجتماعية والزوجية المرعية ، وتعرض الحياة السياسية والدينية للخطر.
والحق أن المهدي قد اشتد على الزنادقة ونكل بهم وحمى المجتمع من فسادهم وانحلالهم ، وقد حذا ابنه الهادي من بعده نفس السياسة التي لزمها أبوه تجاه الزنادقة ، فتعقبهم وقتل من ظفر به منهم.
هارون الرشيد : (١٧٠ ـ ١٩٣ ه) (٣) :
إن عصر هارون الرشيد يعد ـ بحق ـ العصر الذهبي للخلافة العباسية ؛ إذ بلغت أوج
__________________
ـ أعلام النبلاء (٧ / ٤٠٠) ، تاريخ بغداد (٥ / ٣٩١) ، الطبري (٨ / ١١٠) ، المعارف (٣٧٩) ، الكامل لابن الأثير (٦ / ٣٢ ـ ٣٤) ، (٨١ ـ ٨٧) ، البداية والنهاية (١ / ١٢٩ ـ ١٣١) ، مروج الذهب (٣ / ٣١٩) ، المحبر (٣٥ ـ ٧٠) ، أنساب الأشراف (٣ / ٨٠) ، تاريخ خليفة (٤٢٣) ، نسب قريش (٥٤) وما بعدها ، مرآة الجنان (١ / ٣٥٦ ـ ٣٥٨) ، تاريخ الزمان (١١ ، ١٢» ، تاريخ الخلفاء (٢٧١ ـ ٢٧٩) ، العبر للذهبي (١ / ٢٣٠) ، المختصر في أخبار البشر (٢ / ١٠) ، أخبار الدول (١٤٨).
(١) حسن إبراهيم حسن (٢ / ٤٢).
(٢) ينظر : تاريخ الطبري (٩ / ٣٤١) ، (١٠ / ٩).
(٣) ينظر : هارون الرشيد في : شذرات الذهب (١ / ٣٣٤) ، تاريخ ابن خلدون (٣ / ٢١٧) ، أخبار الدول للقرماني (١٤٩) ، تاريخ الخلفاء (٢٨٣) ، النجوم الزاهرة (٢ / ١٤٢) ، سير أعلام النبلاء (٩ / ٢٨٦) ، دول الإسلام (١ / ١١٣) ، الكامل لابن الأثير (٣ / ١٠٦) وفيات الأعيان (١ / ٣٣١ ـ ٣٣٩) ـ