جماع رأي الخوارج وما جمعهم من مبادئ :
لم تلبث آراء الخوارج السياسية أن تحددت ، وأخذت شكل نظرية يسع الدارسين ومؤرخي الفرق إضافتها إلى النظريات السياسية الإسلامية ، ولا ريب أن مناظرات رؤسائهم ومجادلاتهم لخصومهم كابن عباس ، وعلي بن أبي طالب وابن زياد وعبد الله بن الزبير قد أسهمت بشكل ملحوظ في بلورة موقفهم السياسي وتحديد معالمه (١).
ومعلوم أن الخوارج لم يكونوا نحلة واحدة متفقة آراؤها وأنظارها إلى مسائل السياسة والعقيدة ، بل تفرقوا أحزابا شتى ومذاهب متعارضة ، بيد أن ثمة مبدأين عامين يجمعان بين فرقهم المتباينة ، هما :
ـ القول بإكفار علي وعثمان والحكمين وأصحاب الجمل وصفين وكل من رضي بتحكيم الحكمين.
ـ أما المبدأ العام الثاني : فهو وجوب الخروج على الإمام الجائر (٢).
وقد ذكر الكعبي في مقالاته أن مما يجمع الخوارج على افتراق مذاهبها الإكفار بارتكاب الذنوب ، بيد أن عبد القاهر البغدادي ذهب إلى أن رأي الكعبي منابذ للصواب ، وأنه قد أخطأ في دعواه إجماع الخوارج على تكفير مرتكبي الذنوب منهم ، واحتج البغدادي بأن النجدات من الخوارج لا يكفرون أصحاب الحدود من موافقيهم ، وقد قال قوم من الخوارج : إن التكفير إنما يكون بالذنوب التي ليس فيها وعيد مخصوص ، فأما الذنب الذي فيه حدّ أو وعيد في القرآن ، فلا يزاد صاحبه على الاسم الذي ورد فيه ، مثل تسميته زانيا وسارقا ، ونحو ذلك.
وقد قالت النجدات : إن صاحب الكبيرة من موافقيهم كافر نعمة وليس فيه كفر دين.
يقول عبد القاهر البغدادي : وفي هذا بيان خطأ الكعبي في حكايته عن جميع الخوارج تكفير أصحاب الذنوب كلهم منهم ومن غيرهم.
وإنما الصواب فيما يجمع الخوارج كلها ما حكاه شيخنا أبو الحسن ـ رحمهالله ـ من تكفيرهم عليّا وعثمان ، وأصحاب الجمل ، والحكمين ، ومن صوبهما أو صوب أحدهما أو رضي بالتحكيم(٣).
__________________
(١) انظر : محمد ضياء الدين الريس ، النظريات السياسية الإسلامية (ص ٦٦).
(٢) انظر : عبد القاهر البغدادي ، الفرق بين الفرق (ص ٩٢) ، أبو الحسن الأشعري ، مقالات الإسلاميين (ص ١٦٧).
(٣) الفرق بين الفرق (ص ٩).