ومهما يكن من أمر فإن ما ذهب إليه الخوارج من تكفير لأقطاب الصحابة وأعلامهم قد دفع المسلمين إلى البحث في ماهية الكفر والإيمان؟ وتمييز الحدود الفارقة بين المعصية والكفر والفسوق ، والتماس العلاقة بين الإيمان وبين العمل ، إلى آخر هذه المسائل اللاهوتية التي ترتب عليها نشأة كثير من الفرق الدينية.
ومن بين المبادئ التي أذاعها الخوارج في المجتمع الإسلامي أن الخلافة ليست حقّا مقصورا على قريش دون سائر العرب ، بل يتولاها من تحققت فيه شروطها من الكفاية والعدل والبيعة الحرة ، وخالفوا في ذلك ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة من اشتراط القرشية إعمالا لحديث النبي صلىاللهعليهوسلم : «الأئمة من قريش».
ورأى الخوارج أن عدم اشتراط القرشية ينسجم مع ما جاء به الإسلام من مبادئ العدل والمساواة بين الناس دونما نظر إلى لون أو جنس ، فمناط المفاضلة بين الناس التقوى والعمل الصالح(١).
فرق الخوارج :
الخوارج عشرون فرقة ، ذكرها البغدادي صاحب الفرق بين الفرق وهي : المحكمة الأولى ، والأزارقة ، والنجدات ، والصفرية ، ثم العجاردة المفترقة فرقا منها : الحازمية ، والشعيبية ، والمعلومية ، والمجهولية ، وأصحاب طاعة لا يراد الله تعالى بها ، والصلتية ، والأخنسية ، والشبيبية ، والشيبانية ، والمعبدية ، والرشيدية ، والمكرمية ، والحمزية ، والشمراخية ، والإبراهيمية ، والواقفة ، والإباضية.
والإباضية منهم افترقت فرقا معظمها فريقان : حفصية وحارثية.
وليس من وكدنا في هذا المقام ـ وهو مقام إيجاز واختصار وليس مقام بسط وتطويل ـ أن نستوعب آراء هذه الفرق جميعها ، وإنما نجتزئ بذكر فرق خمسة منها ، رأى الباحثون قبلنا أنها أشهر فرق الخوارج ، وهي :
ـ المحكمة الأولى.
__________________
(١) الفصل في الملل والنحل (٤ / ١٤٤) ، المواقف (٣ / ٦٩٢) ، التبصير في الدين (١ / ٤٥) ، حجج القرآن للرازي (١ / ٥٨) ، تلبيس إبليس (١ / ١١٠) ، مجموعة الرسائل الكبرى لابن تيمية (١ / ١٥٦) ، أصول الدين للبغدادي ص (٣٣٢) ، أصول الدين ص (٢٤٨) ، نشر الطوالع (ص ٣٩٠) ، كشاف اصطلاحات الفنون (٢ / ١٨١ ـ ١٨٢) ، العناية على شرح الهداية (٢ / ١٩٩) ، أسنى المطالب شرح روض الطالب (٤ / ١١٢) ، حاشية البجيرمي على المنهج (٤ / ٢٠١) ، منح الجليل (٨ / ٣٩٠) ، بدائع الصنائع (٧ / ١٤٠) ، حاشية ابن عابدين (٣ / ٣١٠).