الشارع ، والمنشأ للضرر في العبادات هو الأحكام الإيجابية. فلا يبقى للتمسّك بالقاعدة في أبواب العبادات أيّ مجال. وتتضيق الرواية ، لا محالة ، بما كان للناس دور في تحقّق الضرر ، كالذي رأيته في حديث سمرة ، ومسألة بيع الشريك سهمه من الغير ، ومنع الماء. وأمّا إذا لم يكن لهم دور في تحقّقه ، فالحديث منصرف عنه. وإليك القرائن التي تعيّن الاحتمال الثاني.
١ ـ قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّك رجل مضار» أو «ما أراك إلّا رجلاً مضاراً» ، فإنّه صغرى لقوله : «لا ضرر ولا ضرار». وعلى ذلك فالضار هو الرجل لا الشارع ولا حكمه. والقول بأنّه اعتمد في اضراره على إطلاق دليل الشارع : سلطنة الناس على أموالهم ، كما ترى. بل كان معتمداً على قوّته وتجبّره.
٢ ـ إنّ الضرار ، كما عرفت ، بمعنى الاضرار العمدي الناشئ عن لجاج وعناد. ولا يحتمل أبداً أن يكون الشارع المقدّس مبدئاً لهذا النوع من الضرر بأحكامه وانشاءاته ، حتّى يكون الحديث بصدد نفيه.
٣ ـ قد عرفت أنّ حديث منع فضل الماء لمنع فضل الكلاء ، كان معلّلاً بحديث لا ضرر ولا ضرار. وهذا يوضح كون مبدأ الضرر هو الناس ، وأنّ الحديث بصدد ردّ مثل هذا.
وعلى ذلك ، فالاستدلال بالحديث في الموارد الّتي ليس للنّاس فيها في تحقّق الضرر كالعبادات المحضة ، غير تامّ (١). وأمّا الاستدلال به في أبواب المعاملات كدفع لزوم المعاملة في الغبن ، وإثبات الضمان في الإتلاف ، فسيجيء البحث عنه.
ثمّ إنّ هنا سؤالاً يتوجّه على مختار الشيخ وهو : أنّ نفي الأحكام الضرريّة
__________________
(١) نعم يبقى استدلال المتقدمين والمتأخّرين بها في جميع أبواب الفقه من العبادات والمعاملات وهو يؤيد هذا الفهم الواضح من القاعدة ومداركها.