التنبيه الثالث
في كثرة التخصيص الوارد على القاعدة
إنّ مشكلة القاعدة هي مسألة كثرة التخصيص الوارد عليها بحيث يكون الخارج منها أضعاف الباقي ، خصوصاً إذا فسّرنا الضرر بإدخال المكروه ، ولو بني على العمل بعموم القاعدة حصل منه فقه جديد. ويدلّ على ذلك ، الأمر بالخمس ، والزكوات ، والكفّارات ، والخراج ، والجزية ، ومنها تشريع الحدود والديات ، والغرامات والضمانات وعلى وجه ، الأمر بإراقة الدهن المذاب والشيرج الملاقي للنجس ، والخمور ، واشتراء ماء الوضوء بثمن غال ، وكسر الأصنام ، والصُّلبان والملاهي الغالية ، وإلى غير ذلك ممّا يقف عليه السابر في الفقه.
وقد أُجيب عن هذا الإشكال بوجوه :
الأوّل : ما نقله الشيخ في رسالته المطبوعة في آخر المكاسب عن الفاضل النراقي من أنّ الضرر ما لا يحصل في مقابله نفع ، وأمّا ما يحصل في مقابله نفع دنيوي أو أُخروي فلا يكون ضرراً. فإذا ورد مثلاً «حجّوا إذا استطعتم» ، أو «صلّوا إذا دخل الوقت» ، أو «صوموا إذا دخل شهر رمضان» ، دلّ بعمومه على وجوب هذه الأفعال وإن تضمّنت ضرراً كثيراً ، والأمر يدلّ على العوض فلا يكون ضرراً. (١)
يلاحظ عليه :
بما أفاده الشيخ الأعظم ، أنّ الأجر الأُخروي لا يخرجه عن الضرر بل يكون مسوّغاً للأمر به ، وإلا لغت القاعدة. لأنّ كل حكم شرعي ضرري لا بد أن يترتّب
__________________
(١) رسالة قاعدة «لا ضرر» المطبوعة في آخر المكاسب ، ص ٣٦٩.