أو لا تجري ، أو يفصل ، ولعلّ الثالث هو الأوفق بالقاعدة.
فلو كان الضرر حسب الطبع والعادة متوجّهاً إلى داره ، كما إذا كانت واقعة في المسيل أو جوانبه ، فلا يجوز له دفعه عن نفسه بالإضرار بالغير ، لأنّها قاعدة امتنانية وأيّ امتنان في دفعه عن نفسه وإدخاله على غيره. فتضرّر أحد الفردين على الآخر متعيّن إذا كان الضرر طبعاً وعادة متوجهاً إلى الدافع لا إلى الغير وإنّما يحاول هو إيراده على الغير تسبيباً. وهذا بخلاف ما إذا كان الأمر على العكس ، وكان السيل متوجّهاً حسب الطبع إلى دار الغير وإنّما يحاول هو تغيير مسيره وتوجيهه إلى دار نفسه ، لا خلاف في جوازه ، وأمّا وجوبه فلا شكّ في عدمه ، للبراءة أوّلاً ، وكون الوجوب ضررياً ثانياً.
فإن قلت : إذا كانت القاعدة رافعة للجواز في الأوّل والوجوب في الثاني لزم من جريانها طروء ضرر متوجّه إلى الإنسان نفسه في الأوّل ، وجاره في الثاني. فأي فرق بين الضرر الموجود قبل جريان القاعدة ، والضرر الحادث بعد جريانها.
قلت : إنّ القاعدة لا تعمّ الضرر الحادث من جريانها ، وإنّما تشمل ما كان موجوداً قبل الجريان ، لأنّ الضرر الناشئ من حكومة «لا ضرر» لا يعقل أن يدخل في عموم «لا ضرر» لفظاً.
نعم ، قلنا في محله بشمول قوله : «صدق العادل» للخبر المتولّد من تصديق خبر وجداني ، كما إذا تولّد من تصديق الكليني موضوع تعبّدي للتصديق وهو خبر علي بن إبراهيم. ولا يشترط كون الموضوع موجوداً قبل الشمول ، بل يكفي في الشمول إمكان استكشافه من شموله لموضوع واحد ، هذا.
وأمّا عدم شمولها للضرر المتولّد من جريانها فقد علّله المحقّق النائيني بقوله : «إنّ قاعدة لا ضرر حاكمة على الأحكام فإذا نشأ ضرر من حكومة لا ضرر ، فلا يصحّ أن تكون قاعدة لا ضرر ناظرة إلى هذا الضرر ، لأنّ المحكوم لا بدّ أن يكون مقدّماً في الرتبة على الحاكم حتى يكون الحاكم شارحاً وناظراً إلى هذا الضرر ،