قال الناصر : (الأخرى) ما يثبت آخرا ، ولا شك أنه في الأصل مشتق من التأخير الوجوديّ ، إلا أن العرب عدلت به عن الاستعمال في التأخير الوجوديّ ، إلى الاستعمال ، حيث يتقدم ذكر معاير لا غير حتى سلبته دلالته على المعنى الأصليّ ، بخلاف (آخر) و (آخرة) على وزن فاعل وفاعلة ، فإن إشعارها بالتأخير الوجوديّ ، ثابت لم يغير ، ومن ثم عدلوا عن أن يقولوا ربيع الآخر ، على وزن الأفعل ، وجمادى الأخرى ، إلى ربيع الآخر على وزن فاعل ، وجمادى الآخرة على وزن فاعلة ، لأنهم أرادوا أن يفهموا التأخير الوجوديّ ، لأن (الأفعل) و (الفعلى) من هذا الاشتقاق مسلوب الدلالة على غرضهم ، فعدلوا عنها إلى الآخر والآخرة والتزموا ذلك فيهما. وهذا البحث مما كان الشيخ أبو عمرو بن الحاجب رحمهالله تعالى قد حرره آخر مدته ، وهو الحق إن شاء الله تعالى ، وحينئذ يكون المراد الإشعار بتقدم مغاير في الذكر مع ما نعتقده في الوفاء بفاصلة رأس الآية. انتهى.
الثاني ـ قال ابن كثير : كانت بجزيرة العرب وغيرها طواغيت أخر تعظمها العرب كتعظيم الكعبة ، غير هذه الثلاثة التي نص عليها في كتابه العزيز ، وإنما أفرد هذه بالذكر لأنها أشهر من غيرها.
قال ابن إسحاق في السيرة : وقد كانت العرب اتخذت مع الكعبة طواغيت ، وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة ، لها سدنة وحجاب. ويهدى لها كما يهدى للكعبة ، وتطوف بها كطوافها بها ، وتنحر عندها ، وهي تعرف فضل الكعبة عليها ، لأنها كانت قد عرفت أنها بيت إبراهيم عليهالسلام ومسجده. فكافت لقريش ولبني كنانة (العزّى) بنخلة ، وكان سدنتها وحجابها بني شيبان من سليم حلفاء بني هاشم. وبعث إليها رسول الله صلىاللهعليهوسلم خالد بن الوليد فهدمها وجعل يقول :
يا عزّ كفرانك لا سبحانك |
|
إني رأيت الله قد أهانك |
روى النسائي عن أبي الطفيل قال : لما فتح رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكة بعث خالدين الوليد إلى نخلة ، وكانت بها العزى ، فأتاها خالد ، وكانت على ثلاث سمرات ، فقطع السمرات ، وهدم البيت الذي كان عليها ، ثم أتى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فأخبره فقال : ارجع ، فإنك لم تصنع شيئا. فرجع خالد. فلما أبصر السدنة وهم حجبتها ، أمعنوا في الحيل وهم يقولون : يا عزى! يا عزى! فأتاها خالد. فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها. تحفن التراب على رأسها ، فغمسها بالسيف حتى قتلها ثم رجع إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبره فقال : تلك العزى!