بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة البلد
مكية وهي عشرون آية.
القول في تأويل قوله تعالى :
(لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (٢) وَوالِدٍ وَما وَلَدَ) (٣)
(لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) تقدم في مواضع متعددة من التنزيل الكريم تفسير (لا أُقْسِمُ) و (الْبَلَدِ) هو مكة. وقيد القسم بقوله تعالى : (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) عناية بالنبيّ صلوات الله عليه. فكأنه إقسام به لأجله ، مع تعريض بعدم شرف أهل مكة ، وأنهم جهلوا جهلا عظيما ، لهمهم بإخراج من هو حقيق به ، وبه يتم شرفه.
قال الشهاب : و (الحل) صفة أو مصدر بمعنى الحالّ على هذا الوجه. ولا عبرة بمن أنكره لعدم ثبوته في كتب اللغة. وقيل معناه وأنت يستحل فيه حرمتك ، وتعرض لأذيتك. ففيه تعجيب من حالهم في عداوته ، وتعريض بتجميعهم وتفريقهم بأنه لا يستحل فيه الحمام ، فكيف يستحل فيه دم مرشد الأنام ، عليه الصلاة والسلام؟؟.
وقيل : معناه وأنت حل به في المستقبل. تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر ، إشارة إلى ما سيقع من فتح مكة وإحلالها له ساعة من نهار ، يقتل ويأسر. مع أنها ما فتحت على أحد قبله ، ولا أحلت له. ففيه تسلية له ، ووعد بنصره ، وإهلاك عدوه. و (الحل) على هذين الوجهين ضد (الحرمة) وفيهما ـ كما قالوا ـ بعد. لا سيما إرادة الاستقبال في الوجه الأخير ، فإنه غير متبادر منه. وإنما كان الأول أولى لتشريفه عليهالسلام ، بجعل حلوله به مناطا لإعظامه ، مع التنبيه من أول الأمر على تحقق مضمون الجواب ، بذكر بعض موادّ المكايدة ، على نهج براعة الاستهلال ، وإنه كابد المشاق ، ولاقى من الشدائد ، في سبيل الدعوة إلى الله ، ما لم يكابده داع قبله ، صلوات الله عليه وسلامه.
(وَوالِدٍ وَما وَلَدَ) عطف على (هذا البلد) داخل في المقسم به. قيل : عني