إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير القاسمي [ ج ٧ ]

373/575
*

(لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الحجر : ٧٢] ، فوصفهم بالسكرة التي هي فساد العقل ، والعمه الذي هو فساد البصيرة ، فالتعلق بالصور يوجب إفساد العقل ، وعمه البصيرة يسكر القلب ، كما قال القائل :

سكران : سكر هوى وسكر مدامة

ومتى إفاقة من به سكران؟

وقال الآخر :

قالوا : جننت بمن تهوى فقلت لهم :

العشق أعظم مما بالمجانين

العشق لا يستفيق الدهر صاحبه

وإنما يصرع المجنون في الحين

السابع ـ أنه يورث القلب ثباتا وشجاعة وقوة. ويجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة ، وسلطان القدرة والقوة ، كما في الأثر(الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله). وضد هذا تجده في المتبع هواه ، من ذل النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها. وما جعل الله سبحانه فيمن عصاه. كما قال الحسن : إنهم وإن طقطقت بهم البغال ، وهملجت بهم البراذين ، فإن المعصية لا تفارق رقابهم ، أبى الله إلا أن يذل من عصاه. وقد جعل الله سبحانه العز قرين طاعته. والذل قرين معصيته ، فقال تعالى : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون : ٨] ، وقال تعالى : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران : ١٣٩] ، والإيمان قول وعمل ظاهر وباطن. وقال تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر : ١٠] ، أي من كان يريد العزة فليطبها بطاعة الله وذكره ، من الكلم الطيب ، والعلم الصالح. وفي دعاء القنوت (إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت) (١). ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه فيه. وله من العز بحسب طاعته ، ومن عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه. وله من الذل بحسب معصيته.

الثامن ـ أنه يسدّ على الشيطان مدخله من القلب. فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهوى في المكان الخالي ، فيمثل له صورة المنظور إليه ، يزينها ويجعلها صنما يعكف عليه القلب ، ثم يعده ويمنيه. ويوقد على القلب نار الشهوة ، ويلقي عليه حطب المعاصي ، التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة. فيصير القلب في اللهب ،. فمن ذلك اللهب تلك الأنفاس التي

__________________

(١) أخرجه أبو داود في : الوتر ، ٥ ـ باب القنوت في الوتر ، حديث رقم ١٤٢٥.