أحدها ـ امتثال أمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده. وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى. وما سعد من سعد في الدنيا والآخرة ، إلا بامتثال أوامر ربه. وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامره.
الثاني ـ أنه يمنع من وصول أثر السهم المسموم الذي لعل فيه هلاكه ، إلى قلبه.
الثالث ـ أنه يورث القلب أنسا بالله وجمعيّة على الله ، فإن إطلاق البصر يفرّق القلب ويشتته ويبعده من الله ، وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر. فإنه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه.
الرابع ـ أنه يقوي القلب ويفرحه. كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه.
الخامس ـ أنه يكسب القلب نورا. كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة ، ولهذا ذكر سبحانه آية النور عقيب الأمر بغض البصر. فقال : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) [النور : ٣٠] ، ثم قال إثر ذلك : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [النور : ٣٥]. أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن ، الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه. وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب ، كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان. فما شئت من بدعة وضلالة ، واتباع هوى واجتناب هدى ، وإعراض عن أسباب السعادة ، واشتغال بأسباب الشقاوة. فإن ذلك إنما يكشفه له النور الذي في القلب. فإذا فقد ذلك النور بقي صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام.
السادس ـ أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل والصادق والكاذب. وكان شاه بن شجاع الكرماني يقول : من عمر ظاهره باتّباع السنة ، وباطنه بدوام المراقبة ، وغض بصره عن المحارم ، وكف نفسه عن الشهوات ، واعتاد أكل الحلال ـ لم تخطئ له فراسة.
وكان شجاع هذا لا تخطئ له فراسة ، والله سبحانه يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله. ومن ترك شيئا لله عوضه خيرا منه ، فإذا غض بصره عن محارم الله ، عوضه الله بأن يطلق نور بصيرته عوضا عن حبسه بصره لله. ويفتح له باب العلم والإيمان والمعرفة ، والفراسة الصادقة المصيبة التي ، إنما تنال ببصيرة القلب. وضد هذا مما وصف الله به اللوطية من العمه الذي هو ضد البصيرة. فقال تعالى :