الدليل الثاني على تعددية الموضوعات ، بتعدد العلوم :
هو أن التمايز بين العلوم بالموضوعات.
وحيث أنه كذلك فلا بد من أن يفرض لكل علم موضوعا ، ولو لم يكن لكل علم موضوع خاص به ، لم يكن العلم متميزا عن سائر العلوم الأخرى ، وكأن صاحب هذا الكلام فرض في هذا الدليل أصلا موضوعيا وهو أن التمايز بين العلوم بالموضوعات ، ثم يرتب عليه أنه بناء لذلك يجب أن يكون لكل علم موضوع.
والمحقق الخراساني ناقش في الأصل الموضوعي هذا وقال (١) : بأنه لو كان تمايز العلوم بالموضوعات ، إذن يلزم أن يكون لكل باب بل لكل مسألة علم مستقل ، لأنّ موضوع باب الفاعل غير موضوع باب المفعول. فيكون هذا علما وذاك علما آخر ، مع أنه لا يلتزم بذلك أحد (٢). وعدم الالتزام بذلك يكشف عن أن تمايز العلوم ليس بالموضوعات.
ولكن المحقق الخراسانيّ في نقاشه هذا قد جانب الصواب ، وذلك لأنّ السادة العلماء حينما يقولون بأن تمايز العلوم بالموضوعات ، لا يقصدون بذلك أيّ موضوع كيفما اتّفق حتى يقال بأن الفاعل موضوع والمفعول موضوع. إذن ليكن لكل منهما علم.
بل (٣) القصد هو أن تمايز العلوم إنما يكون بالموضوع الذي لا تكون عوارضه الذاتية عوارض ذاتية لموضوع أعمّ منه. مثلا : الفاعل موضوع متميز عن المفعول ، ولكن العوارض الذاتية له بحسب مباني السادة العلماء ، عوارض ذاتية لموضوع أعمّ منه وهو الكلمة. وعليه : فلا يجوز جعل الفاعل موضوعا لعلم خاص به. ومن هنا يظهر رد نقاش المحقق الخراساني.
__________________
(١) حقائق الأصول : ج ١ ص ١٠.
(٢) فوائد الأصول : ج ١ ص ٧ الكاظمي.
(٣) فوائد الأصول : ج ١ ص ٧.