إنه قلّما تجتمع النزعة البرهانية المنطقية في الاستدلال ، مع الذوق الفني ، والحسّ العقلائي ، والذهنية العرفية في شخصية علمية واحدة ، في الوقت الذي نجد أن العلماء الذين مارسوا ويمارسون المناهج العقلية والبرهانية من المعرفة ، ويتفاعلون مع تلك المناهج وطرائق البحث ، نجد أنهم لا يلتفتون ، وقد لا يحسون بدقائق النكات العرفية ، والذوقية ، والعقلائية ، بينما يبنون معارفهم وآراءهم على أساس تلك المصطلحات البرهانية المكرورة التي اعتادوا عليها في تلك البحوث العقلية وغيرها ، وهكذا الباحثون في العلوم الأدبية والقانونية وما شابهها ، قلّما يمارسون أو يجيدون صناعة البرهنة والاستدلال المنطقي ، بينما كان هذا مائزا وخصيصة قد امتازت بها مدرسة السيد الشهيد (قده) فهي في الوقت الذي جمعت فيه بين هاتين الخصيصتين اللتين قلّما اجتمعتا ، فقد تمكنت من التوفيق الدقيق بينهما ، واستخدمت كلّا منهما في مجاله المناسب دون ما تخبط أو إقحام ما هو خارج موردهما في مجالهما.
٧ ـ القيمة الحضارية لمدرسة السيد الشهيد الصدر (قده):
ليس عجيبا ممّن عرف السيد الشهيد (قده) وتلمّذ عليه فترة كبيرة ، أن يدعي له أنه مجدد أو باعث هذا الدين في هذا القرن ، مصداقا لما ورد ، ومضمونه أن الله تعالى يبعث على رأس كل قرن من يجدد هذا الدين ، أو يبعثه ، أو كما قال ، لا سيّما وقد ادعي هذا المضمون لمن يصح أن يكون تلميذا للسيد الشهيد (قده) من علماء المسلمين.
ولذلك فنحن وبقية الطليعة الفكرية في المسلمين قاطبة بل وفئة يعتد بها من غير المسلمين ، نعتقد أن سيدنا الشهيد (قده) كان تحديا حضاريا معاصرا عند ما استطاع بمدرسته التصدّي لنسف أسس الحضارة المادية لإنسان العصر الحديث ، بينما قدّم الحضارة الإسلامية شامخة نقية على أسس علمية ثابتة ، ضمن بناء شامل ومتماسك ، استطاع من خلاله أن ينازل الفكر الحضاري الآخر كأقوى وأمتن من خاض غمار هذا المعترك ، كما عبّر عنه المفكر العربي أكرم زعيتر.
وقد وفق سيدنا الشهيد (قده) لتفنيد كل مزاعم وأسس الحضارة المادية