ومعنى قوله (وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) أي لو لا رؤيته برهان ربه لهمّ بها. كما همت به ، لتوفر الدواعي. ولكنه رأى من تأييد الله له بالبرهان ما صرف عنه السوء والفحشاء.
قال أبو حيّان : ونظيره (قارفت الإثم لو لا الله عصمك). ولا نقول : إن جواب (لو لا) يتقدم عليها ، وإن لم يقم دليل على امتناعه ، بل صريح أدوات الشرط العاملة مختلف فيها ، حتى ذهب الكوفيون وأعلام البصريين إلى جواز تقدمه ، بل نقول : هو محذوف لدلالة ما قبله عليه. لأن المحذوف في الشرط يقدر من جنس ما قبله. انتهى.
فالآية حينئذ ناطقة بأنه لم يهمّ أصلا. وقيل : جواب (لو لا) لغشيها ونحوه. فمعنى (الهم) حينئذ ما قاله الإمام الرازي : من أنه خطور الشيء بالبال ، أو ميل الطبع. كالصائم في الصيف. يرى الماء البارد ، فتحمله نفسه على الميل إليه ، وطلب شربه ، ولكن يمنعه دينه عنه. وكالمرأة الفائقة حسنا وجمالا ، تتهيأ للشاب النامي القوي ، فتقع بين الشهوة والعفة ، وبين النفس والعقل ، مجاذبة ومنازعة (فالهم) هنا عبارة عن جواذب الطبيعة ، ورؤية البرهان جواذب الحكمة ، وهذا لا يدل على حصول الذنب ، بل كلما كانت هذه الحال أشد ، كانت القوة على لوازم العبودية أكمل. انتهى.
وكذا قال أبو السعود : إن همه بها بمعنى ميله إليها ، بمقتضى الطبيعة البشرية ، وشهوة الشباب وقرمه ، ميلا جبلّيا ، لا يكاد يدخل تحت التكليف ، لا أنه قصدها قصدا اختياريا. ألا يرى إلى ما سبق من استعصامه المنبئ عن كمال كراهيته له ، ونفرته عنه ، وحكمه بعدم إفلاح الظالمين؟ وهل هو إلا تسجيل باستحالة صدور الهم منه ـ عليهالسلام ـ تسجيلا محكما؟ وإنما عبر عنه بالهم ، لمجرد وقوعه في صحبة همها في الذكر ، بطريق المشاكلة ، لا لشبهه كما قيل. ولقد أشير إلى تباينهما ، حيث لم يلزّا في قرن واحد من التعبير ، بأن قيل : ولقد هما بالمخالطة ، أو همّ كل منهما بالآخر. وصدّر الأول بما يقرر وجوده من التوكيد القسمي ، وعقب الثاني بما يعفو أثره من قوله عزوجل : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) أي حجته الباهرة ، الدالة على كمال قبح الزنى ، وسوء سبيله. والمراد برؤيته لها كمال إيقانه ، ومشاهدته لها مشاهدة واصلة إلى مرتبة عين اليقين. وكأنه عليهالسلام قد شاهد الزنى بموجب ذلك البرهان النّير ، على ما هو عليه في حد ذاته أقبح ما يكون ، وأوجب ما يجب أن