الأولى ـ أن الواجب عند الدعاء إلى المعصية الاستعاذة بالله من ذلك ، ليعصمه منها ، ويدخل فيه دعاء الشيطان ، ودعاء شياطين الإنس ، ودعاء هوى النفس. الثانية ـ أن السيد والمالك يسمى (ربّا).
الثالثة ـ أنه يجوز ترك القبيح لقبحه ، ورعاية حق غيره ، وخشية العار ، أو الفقر ، أو الخوف ، ونحو ذلك. ولا يقال : التشريك غير مفيد في كونه تاركا للقبيح ، وأنه لا يثاب وتدل أيضا على لزوم حسن المكافأة بالجميل ، وأن من أخلّ بالمكافأة عليه ، كان ظالما. انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (٢٤)
(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ، وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ ، كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ ، إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (الهم) : يكون بمعنى القصد والإرادة ، ويكون فوق الإرادة ودون العزم ، إذا أريد به اجتماع النفس على الأمر والإزماع عليه ، وبالعزم : القصد إلى إمضائه ، فهو أول العزيمة. وهذا معنى قولهم : الهم همان : هم ثابت معه عزم وعقد ورضا وهو مذموم مؤاخذ به ؛ وهمّ بمعنى خاطر ، وحديث نفس ، من غير تصميم ، وهو غير مؤاخذ به. لأنه خطور المناهي في الصدور ، وتصورها في الأذهان ، لا مؤاخذة بها ما لم توجد في الأعيان.
روى الشيخان وأهل السنن عن أبي هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : إن الله تجاوز لأمتي عمّا حدّثت به أنفسها ، ما لم تتكلم به ، أو تعمل به. ورواه الطبراني عن عمران ابن حصين رضي الله عنهما (١).
فمعنى قوله تعالى : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) أي بمخالطته ، أي قصدتها وعزمت عليها عزما جازما ، لا يلويها عنه صارف ، بعد ما باشرت مبادئها من المراودة ، وتغليق الأبواب ، ودعوته إلى الإسراع إليها بقولها (هَيْتَ لَكَ) مما اضطره إلى الهرب إلى الباب.
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : العتق ، ٦ ـ باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه ، حديث رقم ١٢٤٢.
وأخرجه مسلم في : الإيمان ، حديث رقم ٢٠١ و ٢٠٢.