يحذر منه ، ولذلك فعل ما فعل من الاستعصام ، والحكم بعدم إفلاح من يرتكبه.
وجواب (لو لا) محذوف ، يدل عليه الكلام. أي : لو لا مشاهدة برهان ربه في شأن الزنى لجرى على موجب ميله الجبّلي ، ولكن حيث كان مشاهدا له من قبل ، استمر على ما هو عليه من قضية البرهان ، وفائدة هذه الشرطية بيان أن امتناعه عليهالسلام ، لم يكن لعدم مساعدة من جهة الطبيعة ، بل لمحض العفة والنزاهة ، مع وفور الدواعي الداخلية ، وترتيب المقدمات الخارجية ، الموجبة لظهور الأحكام الطبيعية. انتهى.
فاتضح أن لا شبهة فيها على عصمة يوسف عليهالسلام ، فإن الأنبياء ليسوا بمعصومين من حديث النفس ، وخواطر الشهوة الجبلّية ، ولكنهم معصومون من طاعتها ، والانقياد إليها ، ولو لم توجد عندهم دواع جبلّية ، لكانوا إما ملائكة أو عالما آخر. ولما كانوا مأجورين على ترك المناهي ، لأنهم يكونون مقهورين على تركها طبعا ، والعنّين لا يؤجر ويثاب على ترك الزنى ؛ لأن الأجر لا يكون إلا على عمل ، والترك بغير داعية ليس عملا ، وأما الترك مع الداعية ، فهو كف النفس عما تتشوف إليه ، فهو عمل نفسي.
وحقيقة عصمة الأنبياء هي نزاهتهم ، وبعدهم عن ارتكاب الفواحش والمنكرات التي بعثوا لتزكية الناس منها ، لئلا يكونوا قدوة سيئة ، مفسدين للأخلاق والآداب ، وحجة للسفهاء على انتهاك حرمات الشرائع ، وليس معناها أنهم آلهة منزهون عن جميع ما يقتضيه الطبع البشري.
هذا وقد ألصق هنا بعض المفسرين الولعين بسرد الروايات ، ما تلقفوه من أهل الكتب ، ومن المتصولحين ، من تلك الأقاصيص المختلقة على يوسف عليهالسلام ، في همه ، التي أنزه تأليفي عن نقلها ، بردّها ، وكلها ـ كما قال العلامة أبو السعود ـ خرافات وأباطيل ، تمجها الآذان ، وتردها العقول والأذهان ، ويل لمن لاكها ولفّقها ، أو سمعها وصدقها. وسبقه الزمخشري ، فجوّد الكلام في ردها ، فلينظر ، فإنه مما يسر الواقف عليه.
و (السوء) : المنكر والفجور والمكروه. (والفحشاء) : ما تناهى قبحه.
قال أبو السعود : وفي قوله تعالى (لِنَصْرِفَ عَنْهُ ...) إلخ آية بينة ، وحجة قاطعة على أنه عليه الصلاة والسلام لم يقع منه همّ بالمعصية ، ولا توجه إليها قط ، وإلا لقيل : لنصرفه عن السوء والفحشاء. وإنما توجه إليه ذلك من خارج ، فصرفه الله تعالى بما فيه من موجبات العفة والعصمة. فتأمل.