ويقول الحق تبارك وتعالى في سورة النحل :
«مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ»(١).
ومن الواضح أن المراد بالحياة هنا ليس حياة الجسم والبدن ، وانما هي حياة للقلب والروح والهمة تتوثق علائقها بالمعاني الاخلاقية والروحية. ولقد ذكر القرطبي في تفسيره أن أقوال السلف تعددت في المراد بالحياة الطيبة هنا ، فالمراد القناعة ، أو التوفيق الى الطاعات ، أو حلاوة الطاعة ، أو أن يردّ العبد التدبير الى الله وحده ، أو الاستغناء عن الخلق والافتقار الى الحق ، أو الرضى بالقضاء. وأنت ترى معي أن أغلب هذه الاقوال ـ ان لم تكن جميعها ـ غير مقطوعة الصلة بمكارم الاخلاق.
واذا كان هناك من العلماء من يرى أن «الحياة الطيبة» يراد بها حياة الرزق الحسن ، فان الصواب كما يشرح ابن القيم انها حياة القلب ونعيمه وسروره بالايمان ، ولا حياة أطيب من ذلك الا نعيم الجنة ، ولذلك يقول بعض العارفين : انه لتمر بي أوقات أقول فيها : ان كان أهل الجنة في مثل هذا اني لفي عيش طيب. وقال غيره : انه ليمر بالقلب أوقات يرقص فيها طربا.
وهذه الحياة الطيبة تنال بالهمة العالية ، والمحبة الصادقة ، والارادة الخالصة ، فعلى قدر ذلك تكون الحياة الطيبة ، وأخس الناس حياة أخسهم همة ، وأضعفهم محبة وطلبا ، وحياة البهائم خير من حياة هذا.
ويقول القرآن الكريم في سورة الانفال :
__________________
(١) سورة النحل ، الآية ٩٧.