هذا الايمان ، ثم هم يدلون بشهادتهم للآخرين ، ويدعونهم الى ما آمنوا به ، ويشهدون على ما يكون منهم من استقامة أو انحراف.
وهم في ايمانهم بما عرفوا من الحق أقوياء ، يستنكرون أن ينكر عليهم أحد هذا الايمان : «وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ، ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين»؟.
ان كل ما حولنا ليوحي الينا بالايمان ، فلماذا اذن لا نؤمن؟ لماذا لا نؤمن بالله ، وما جاءنا من الحق من عند الله؟ لماذا لا نرجو ثواب الله ، ونطمع أن يجعلنا من رفقة الكتيبة الصالحة من عباده ، وباب الرجاء مفتوح ، والطامع في فضل الله بالايمان والصلاح لا يخيب؟
فاذا ما قالوا قولتهم المطمئنة الواثقة ، حقق الله لهم الرجاء ، وكتب لهم الفلاح : «فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ».
وكمال المعرفة بالله يقتضي الوجل منه والخشوع لجلاله ، ولذلك نجد القرطبي في جامعه يتعرض لقوله تعالى : «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ» وقوله : «وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ» ، فيذكر ان هذا الوجل يرجع الى كمال المعرفة وثقة القلب ، فنفوسهم تسكن من ناحية اليقين الى الله ، وان كانوا يخافون الله ، فهذه حالة العارفين بالله ، والخائفين من سطوته وعقوبته ، لا كما يفعله العوام المبتدعون الاراذل ، من الزعيق والزئير والنهاق الذي يشبه نهاق الحمير ، فينبغي أن يقال لمن يفعل ذلك : انك لم تبلغ أن تساوي حال الرسول صلىاللهعليهوسلم ولا حال أصحابه في المعرفة بالله ، والخوف منه ، والتعظيم لجلاله ، ومع ذلك كانت حالهم عند المواعظ فهما عن الله ، وبكاء من خوف الله ، ولذلك وصف الحق أحوال أهل المعرفة عند ذكر الله وتلاوة كتابه ، فقال : «وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا