وإنّما المراد انّ الحفاظ على سياق الآيات إذا كان رافعاً للإبهام وكاشفاً عن المراد لا محيص للمفسِّر من الرجوع إليه ، ومع ذلك فإنّ القرآن الكريم ليس كتاباً بشرياً ربما يطرح في ثنايا موضوع واحد موضوعاً آخر له صلة بالموضوع الأصلي ثمّ يرجع إلى الموضوع الأوّل ، وإليك شاهدين :
إنّ القرآن يبحث في سورة البقرة عن أحكام النساء ، مثل المحيض والعدّة والإيلاء وأقسام الطلاق من الآية ٢٢٢ إلى ٢٤٠ ، ومع ذلك فقد طرح موضوع الصلاة في ثنايا هذه الآيات ، يعني من آية ٢٣٧ إلى ٢٣٨ ، ثمّ أخذ بالبحث في الموضوع السابق ، وإليك صورة إجمالية ممّا ذكرنا ، يقول سبحانه :
( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ). (١)
ويستمر في البحث في الموضوع بشقوقه المختلفة ويقول :
( وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً ... ).
وقبل أن يُنهي الكلام في الموضوع شرع بالأمر بالصلاة والحفاظ عليها وبالخصوص الصلاة الوسطىٰ ويقول :
( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ). (٢)
( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ). (٣)
ترىٰ أنّه انتقل من الموضوع الأوّل إلى موضوع آخر ، وهو الحفاظ على الصلوات وتعليم كيفية صلاة الخوف ، ثمّ بعد ذلك نرى أنّه رجع إلى الموضوع الأوّل وقال :
______________________
١. البقرة : ٢٣٢. |
٢. البقرة : ٢٣٨. |
٣. البقرة : ٢٣٩. |