ولا منافاة بين هذا التقسيم والتقسيمين الأوّلين ، وذلك لاختلاف متعلّق الإحكام والتشابه فيها ، فانّ الإحكام الذي هو بمعنى الإتقان في الآية الأُولى وصف للآية باعتبار نظم الآية وجزالة ألفاظها على وجه لا يمكن تحدّيها ، كما أنّ التشابه في الآية الثانية وصف لمعنى الآية ، فمعاني الآيات القرآنية متكرّرة لكنّها متوحّدة الهدف.
وأمّا الإحكام والتشابه في هذه الآية فالموصوف بهما دلالة الآية وظهورها في المعنى المقصود ولا مانع من أن يكون القرآن كلّه متقناً من حيث تركيبه وجُمَله ، ومتشابهاً متكرر المضمون من حيث معانيه ؛ وفي الوقت نفسه محكماً ومتقن الدلالة في قسم ، ومتشابه الدلالة في قسم آخر.
إنّ الإحكام في اللغة هو الإتقان ، توصف به الآية إذا كانت ذات دلالة واضحة بحيث لا تحتمل وجهاً آخر ، فهو ( الإحكام ) مأخوذ من الحُكْم بمعنى المنع ، قال الشاعر :
أبني حنيفـة حكِّموا أولادكم |
|
إني أخاف عليكم أن أُغضبا |
أي امنعوا أولادكم من التعرض.
فالآية باعتبار استحكام دلالتها وإتقانها تمنع من الاضطراب وتطرّق ما ليس بمراد فيها ؛ ويقابله التشابه فهو مأخوذ من الشِّبه أي التماثل ، فالتشابه في الدلالة هو أن لا يكون للآية ظهور مستقر ودلالة ثابتة بل يحتمل فيها وجوهاً مختلفة مع أنّ المقصود هو واحد منها.
ويدلّ على أنّ الإحكام والتشابه وصف للدلالة ، أُمور :
الأوّل : انّ أصحاب الزيغ ( فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ ) وذلك لأحد الوجهين :
١. ابتغاء الفتنة والفساد في المجتمع وإضلال الناس.