ملايين المسلمين لينقذهم من سلطانه وسلطة ولاته الجائرين. ورأى نفسه بإزاء أمر لا مفر منه ، ولا محيد عنه ، فاستجاب لرغبة أهل العراق الملحة ، ولكتبهم التي بلغت ألفا أو تزيد. وقبل ان يدخل الكوفة فوجئ بغدرهم ، فلم يعد بإمكانه ان يرجع الى مدينة جده ، أو يلتجئ الى بلد عربي آخر. وأصبح بين أمرين : إما ان يستسلم ليزيد وأتباعه ، أو يقاتل القوم بتلك الحفنة القليلة من أصحابه وبنيه. اما الاستسلام ، ومن ورائه البيعة ليزيد ، فقد أعلن رأيه فيها صريحا في الأيام الأولى لولاية يزيد بن معاوية ، يوم استدعاه من أجلها حاكم المدينة ليلا ، وفي مناسبات اخرى ، فكان المحتم ان يرفضها اليوم ، كما رفضها بالأمس ، مهما كان مصيره ، ما دام في سبيل الحق والإنسانية فمات هو وأصحابه ميتة الكرام ، ولسانه يردد : «لا أرى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا برما وشقاء». وترك من ورائه دروسا في الإباء والتضحية والثورة على الظلم والظالمين والتفاني في سبيل العقيدة والمبدأ ، لا تزال الأجيال تستلهم منها العزيمة والإخلاص للحق والعقيدة ، والاستهانة بالحياة مع الظالمين. وستبقى هذه الذكرى الخالدة من أروع ما يقدمه الإنسان في هذه الحياة للبشرية من أعمال وآثار ودروس.
هذه لمحة خاطفة عن الوضع السياسي بعد انتقال الخلافة الإسلامية إلى الأمويين. وقد أوجزنا فيها سيرتهم مع أهل البيت وشيعتهم وما لا قوة من التعذيب والاضطهاد ، والأسباب التي أبعدتهم عن حقهم الشرعي في الخلافة الإسلامية وكان مما لا بد لنا من ذلك ، لنعرف مدى آثار هذا الوضع على حملة الفقه والحديث ، من رجال الشيعة وفقهائهم ، ممن بقي من الصحابة والتابعين. ومن ذلك نعرف ان الذي تصدوا للإفتاء ونقل الحديث من الشيعة في ذلك العصر ، كانوا يحرصون ان لا