لأتأمّر عليكم ، وقد أعطاني الله ذلك ، وأنتم له كارهون. إلا وان كل شرط أعطيته للحسن بن علي ، تحت قدمي هاتين ، لا أفي له بشيء منه (١).
بهذه الكلمات القصار ، وضع الخطوط الرئيسية ، للسياسة التي سيطبقها في العراق وغيرها من الأقطار التي كانت تخضع لخلافة علي (ع). وأحس أهل العراق ، بصورة خاصة ، بأخطائهم وبنتيجة تخاذلهم عن علي (ع) يوم كان يدعوهم الى جهاد معاوية ويحذرهم غدرة وكيده للقرآن والإسلام. ورجعوا بذكرياتهم الى الماضي البعيد ، يوم كان علي (ع) يقول لهم : ملأتم قلبي قيحا. ويسأل ربه ان يخلصه منهم. وأحسّوا ان مسؤولية انتصار معاوية تقع عليهم وحدهم (٢).
وها هو اليوم يقول لهم : «إني قاتلتكم لأتأمر عليكم ، وقد أعطاني الله ذلك ، وأنتم له كارهون». ولم تغب عن ذاكرتهم ، كلمات علي ، بالأمس القريب ، لابن عمه عبد الله ، وهو يخصف له نعله : يا ابن عباس ، ان أمرتكم هذه لا تساوي قيمة هذا النعل إلا أن أحق حقا ، أو أبطل باطلا.
ان عليا ، يرى الخلافة ، وان جمعت الدنيا بأسرها تحت سلطانه ، لا تساوي نعلا بالية ، إذا لم تكن سبيلا إلى الحق والعدالة. ولكنها بنظر ابن هند ، الأمنية الغالية ، لأنها تحقق له اطماعه وشهواته ومجد آبائه الغابرين. وله ان يريق في سبيل الوصول إليها ، دماء الملايين من الأبرياء والآمنين ، فهو يقاتل ليتأمر على المسلمين ويتسلط على رقابهم
__________________
(١) شرح النهج (المجلد ٤ ـ ص ١٦).
(٢) العراق في ظل العهد الأموي ، للدكتور علي الخرطبولي.