يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ). أي أنّ الذين بذلوا المال والنفس في الظروف الحرجة مفضّلون على الذين ساعدوا الإسلام بعد سكون الموج وهدوء العاصفة. لذلك وللتأكيد أكثر يضيف تعالى : (أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا).
وبما أنّ القسمين (الإنفاق والجهاد) مشمولان بعناية الحق تعالى مع اختلاف الدرجة ، فيضيف في النهاية : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى).
وهذا تقدير لعموم الأشخاص الذين ساهموا في هذا الطريق.
وكلمة (حسنى) لها مفهوم واسع ، حيث تشمل كل ثواب وجزاء وخير في الدنيا والآخرة.
ولكون قيمة العمل بإخلاصه لله سبحانه فيضيف في نهاية الآية : (وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
نعم ، إنّه يعلم بكيفية وكميّة أعمالكم. وكذلك نيّاتكم ومقدار خلوصكم ، ولغرض الحثّ على ضرورة الإنفاق في سبيل الله ، ومن خلال تعبير رائع يؤكّد سبحانه ذلك في الآية مورد البحث بقوله : (مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا). فينفق مما آتاه الله في سبيل الله (فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ).
والمراد من الإقراض لله تعالى هو كل إنفاق في سبيله ، وأحد مصاديقه المهمة الدعم الذي يقدّم للرسول صلىاللهعليهوآله وأئمة المسلمين من بعده ، كي يستعمل في الموارد اللازمة لإدارة الحكومة الإسلامية. لذا نقل في الكافي عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : إنّ الله لم يسأل خلقه مما في أيديهم قرضاً من حاجة به إلى ذلك ، وما كان لله من حق فإنّما هو لوليّه.
(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (١٣) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (١٤) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (١٥)