«الوسواس : مصدر ، ويأتي بمعنى اسم الفاعل بمعنى الموسوس ، وهي في الآية بهذا المعنى.
«الخنّاس : صيغة مبالغة من الخنوس وهو التراجع ، لأنّ الشياطين تتراجع عند ذكر اسم الله ؛ والخنوس له معنى الإختفاء أيضاً ، لأن التراجع يعقبه الإختفاء عادة.
فقوله سبحانه : (مِن شَرّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ). أي : أعوذ بالله من شرّ الموسوس ذي الصفة الشيطانية الذي يهرب ويختفي من ذكر اسم الله.
عمل الشيطان هو التزيين ، واخفاء الباطل تحت طلاء الحق ، والكذب في قشر من الصدق ، والذنب في لباس العبادة ، والضلال خلف ستار الهداية.
وبإيجاز ، الموسوسون متسترون ، وطرقهم خفية ، وفي هذا تحذير لكل سالكي طريق الله أن لا يتوقعوا رؤية الشياطين في صورتهم الأصلية ، أو رؤية مسلكهم على شكله المنحرف. أبداً ... فهم موسوسون خناسون ... وعملهم الحيلة والمكر والخداع والتظاهر والرياء وإخفاء الحقيقة.
جملة (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) تنبيه على حقيقة هامّة هي إنّ الوسواس الخناس لا ينحصر وجوده في مجموعة معينة ، ولا في فئة خاصة ، بل هو موجود في الجن والإنس ... في كل جماعة وفي كل ملبس ، فلابدّ من الحذر منه أينما كان ، والإستعاذة بالله منه في كل أشكاله وصوره.
أصدقاء السوء ، والجلساء المنحرفون ، وأئمة الظلم والضلال ، والولاة الجبابرة الطواغيت ، والكتاب والخطباء الفاسدون ، والمدارس الإلحادية والإلتقاطية المخادعة ، ووسائل الإعلام المزوّرة الملفّقة ، كلّها هي وأمثالها تندرج ضمن المفهوم الواسع للوسواس الخناس وتتطلب من الإنسان أن يستعيذ بالله منها.
في أمالي للشيخ الصدوق عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام قال : لمّا نزلت هذه الآية : (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) [آل عمران : ١٣٥] صعد إبليس جبلاً بمكة يقال له ثور ، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا : يا سيّدنا لم دعوتنا؟ قال : نزلت هذه الآية ، فمن لها؟ فقام عفريت من الشياطين ، فقال : أنا لها بكذا وكذا. قال : لست لها. فقام آخر فقال مثل ذلك ، فقال : لست لها. فقال الوسواس الخناس : أنا لها. قال : بماذا؟ قال : أعدهم وأمنيهم حتى يواقعوا الخطيئه ، فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم