بصرهم حالاً ، وقيل إنّ بؤر أبصارهم قد أصبحت مستوية مع وجوههم.
وجاءت الساعة المرتقبة حيث أمر الله بفنائهم وقلبت الزلزلة مدينتهم رأساً على عقب وصُبّ عليهم العذاب صبّاً مع أوّل خيط من أشعّة فجر ذلك اليوم ، فتتمزّق أجسادهم وتتلاشى أبدانهم وتدمّر بيوتهم وتندثر قصورهم وتتحول إلى أنقاض وخرائب ، وإذا بالمطر الحجري ينهمل عليهم ويطمس كل معالم الحياة لديهم حتى لم يبق أي أثر لهم.
وذلك ما تشير له الآية الكريمة حيث تعكس هذا المعنى بإختصار وتركيز : (وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ).
«مستقرّ : تعني الثبوت والإحكام ، أي بمعنى (ثابت الحكم). ويحتمل أن يكون المراد به هنا هو : أنّ العذاب الإلهي كان شديداً إلى حدّ أنّ أي قوّة لم تكن قادرة على مواجهته.
ثم يضيف سبحانه مؤكّداً ومكرّراً مرّة اخرى قوله : (فَذُوقُوا عَذَابِى وَنُذُرِ).
لكي لا يكون مجال للشك والتردد في إنذار الأنبياء لكم بعد هذا.
وفي نهاية المطاف وفي آخر آية من بحثنا هذا تتكرّر جمل الموعظة والعبرة وللمرّة الرابعة في هذه السورة بقوله تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ).
نعم ، لم يتّعظ قوم لوط من النذر ، ولم يتّعظوا من العذاب الأوّل الذي أعمى أبصار البعض منهم والذي كان بمثابة إنذار لهم فهل أنّ الآخرين الذين يرتكبون نفس الذنوب يتّعظون لدى سماع آيات القرآن هذه وينوبوا إلى رشدهم ويندموا على ما فرط منهم ..
(وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١) كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٤٢) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) (٤٦)
هل أنتم أفضل من الأقوام السابقة : المجموعة الخامسة التي يتحدث عنها القرآن في هذه السلسلة هم قوم فرعون ، ولأنّ الحديث عن هؤلاء القوم قد طرح بصورة تفصيلية في السور القرآنية المختلفة ، لذا فإنّ هذه السورة المباركة تستعرض هذه القصة في مقاطع مختصرة ومركّزة حول ضرورة الاستفادة من العبر التي جاءت فيها والإتّعاظ منها ...
يقول سبحانه : (وَلَقَدْ جَاءَءَالَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ).