مُّسْتَطَرٌ) (١) .. وفي موضع آخر يقول : (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَءَاثَارَهُمْ) (٢). ولذلك يصرخ المجرمون بالقول : (يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هذَا الْكِتَابِ لَايُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا) (٣). حينما يستلمون كتابهم الحاوي على كل ما فعلوه في الحياة الدنيا.
وممّا لا شك فيه ، أنّ إدراك حقيقة الآيات الربانية بكامل القلب ، سوف يدفع الإنسان لأن يكون دقيقاً في جميع أعماله ، وسيكون اعتقاده الجازم بمثابة السدّ المنيع بينه وبين ارتكاب الذنوب ، ومن العوامل المهمّة والمؤثرة في العملية التربوية.
ويتغيّر لحن الخطاب في الآية الأخيرة من الآيات المبحوثة ، فينتقل من التكلم عن الغائب إلى مخاطبة الحاضر : ويهدد القرآن بنبرات غاضبة اولئك المجرمين ، ويقول : (فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا).
وهذا هو جزاء اولئك الذين يواجهون دعوات الأنبياء الداعية إلى الله والإيمان والتقوى ، بقولهم : (سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ) (٤).
حتى روي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : هذه الآية أشدّ ما في القرآن على أهل النار (٥).
(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً (٣١) حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً (٣٢) وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً (٣٣) وَكَأْساً دِهَاقاً (٣٤) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا كِذَّاباً (٣٥) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً (٣٦) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً) (٣٧)
ممّا وعد الله المتقين : كان الحديث في الآيات السابقة منصباً حول خاتمة المجرمين والطغاة وما يلاقونه من أليم العذاب وموجباته ، وينتقل الحديث في الآيات أعلاه لتفصيل بعض ما وعد الله المؤمنين والمتقين من النعم الخالدة والثواب الجزيل ، عسى أن يرعوي الإنسان ويتبع طريق الحق من خلال مقايسته لما يعيشه كل من الفريقين ، على ضوء تفكيره بمصيره الأبدي. فيقول مبتدءً الحديث : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا).
__________________
(١) سورة القمر / ٥٢ و ٥٣.
(٢) سورة يس / ١٢.
(٣) سورة الكهف / ٤٩.
(٤) سورة الشعراء / ١٣٦.
(٥) تفسير الكشاف ٤ / ٢١٠ ؛ وتفسير الصافي ٥ / ٢٧٦.