بحث
(محكمة الضمير أو القيامة الصغرى : نستفيد من آيات القرآن المجيد أنّ للنفس الإنسانية ثلاث مراحل :
١ ـ النفس الأمارة : وهي النفس العاصية التي تدعو الإنسان إلى الرذائل والقبائح باستمرار ، وتزيّن له الشهوات.
٢ ـ النفس اللوامة : وهي ما اشير إليها في الآيات التي ورد البحث فيها ، وهي نفس يقظة وواعية نسبياً ، فهي تزل أحياناً لعدم حصولها على حصانة كافية مقابل الذنوب ، وتقع في شبك الآثام إلّاأنّها تستيقظ بعد فترة لتتوب وترجع إلى مسير السعادة.
وهذا هو ما يذكرونه تحت عنوان (الضمير الأخلاقي) ويكون هذا قوياً جدّاً عند بعض الأفراد ، وضعيفاً وعاجزاً عند آخرين ، ولكن النفس اللوامة لا تموت بكثرة الذنوب عند أي إنسان.
٣ ـ النفس المطمئنة : وهي النفس المتكاملة المنتهية إلى مرحلة الإطمئنان والطاعة والمنتهية إلى مقام التقوى والإحساس بالمسؤولية وليس من السهل انحرافها.
إنّ النفس اللوامة هي كالقيامة الصغرى في داخل الروح والتي تقوم بمحاسبة الإنسان ، ولذا تحس أحياناً بالهدوء والإستقرار بعد القيام بالأعمال الصالحة وتمتليء بالسرور والفرح والنشاط.
هذه المحكمة الداخلية العجيبة لها شبه عجيب بمحكمة القيامة.
أ) إنّ القاضي والشاهد والمنفذ للأحكام واحد ، كما في يوم القيامة : (عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ) (١).
ب) إنّ هذه المحكمة ترفض كل توصية ورشوة وواسطة ، كما هو الحال في محكمة يوم القيامة ، فيقول تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّاتَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ) (٢).
ج) إنّ محكمة الضمير تحقق وتدقق في الملفات المهمّة بأقصر مدّة وتصدر الحكم بأسرع وقت ، وهذا هو ما نقرأهُ أيضاً في محكمة البعث : (وَاللهُ يَحْكُمُ لَامُعَقّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (٣).
__________________
(١) سورة الزمر / ٤٦.
(٢) سورة البقرة / ٤٨.
(٣) سورة الرعد / ٤١.