فإنّ هذه الآية تعبير بالغ عن خوف المشركين وفرارهم من الآيات القرآنية المربية للروح ، فشبههم بالحمار الوحشي لأنّهم عديمو العقل والشعور ، وكذلك لتوحشّهم من كل شيء ، في حين أنّه ليس مقابلهم سوى التذكرة.
(بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِىٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفًا مُّنَشَّرَةً). وذلك لتكبّرهم وغرورهم الفارغ بحيث يتوقعون من الله تعالى أن ينزل على كل واحد منهم كتاباً.
وهذا نظير ما جاء في الآية (٩٣) من سورة الإسراء : (وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيّكَ حَتَّى تُنَزّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ).
ولذا يضيف في الآية الاخرى : (كَلَّا). ليس كما يقولون ويزعمون ، فإنّ طلب نزول مثل هذا الكتاب وغيره هي من الحجج الواهية ، والحقيقة : (بَل لَّايَخَافُونَ الْأَخِرَةَ).
والحق يقال إنّ الإيمان بعالم البعث والجزاء وعذاب القيامة يهب للإنسان شخصية جديدة يمكنه أن يغير إنساناً متكبراً ومغروراً وظالماً إلى إنسان مؤمن متواضع ومتقٍ عادل.
ثم يؤكّد القرآن على أنّ ما يفكرون به فيما يخصّ القرآن هو تفكّر خاطىء : (كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ).
وفي الوقت نفسه لا يمكن ذلك إلّابتوفيق من الله وبمشيئته تعالى : (وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللهُ). يعني أنّ الإنسان لا يمكنه الحصول على طريق الهداية إلّابالتوسل بالله تعالى وطلب الموفقية منه.
وفي النهاية يقول : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ). فهو أهل لأن يخافوا من عقابه وأن يتقوا في اتّخاذهم شريكاً له تعالى شأنه ، وأن يأملوا مغفرته ، وفي الحقيقة ، أنّ هذه الآية إشارة إلى الخوف والرجاء والعذاب والمغفرة الإلهية ، وهي تعليل لما جاء في الآية السابقة.
وهناك احتمالاً آخر ، وهو أن تؤخذ التقوى بمعناها الفاعلي ، أي أنّ الله أهل للتقوى من كل أنواع الظلم والقبح ومن كل ما يخالف الحكمة ، وما عند العباد من التقوى هو قبس ضعيف من ما عند الله.
إنّ الآية قد بدأت بالإنذار والتكليف ، وانتهت بالدعوة إلى التقوى والوعد بالمغفرة.
|
نهاية تفسير سوره المدّثّر |
* * *