استمراراً
للأبحاث المتعلقة بالقرآن الكريم ، تستعرض الآيات التالية دليلاً واضحاً يؤكّد
يقينية كون القرآن من الله سبحانه ، حيث يقول : (وَلَوْ تَقَوَّلَ
عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ
لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ).
ويذكّر سبحانه
مرّة اخرى في الآية اللاحقة مؤكّداً ما سبق عرضه في الآيات السابقة (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لّلْمُتَّقِينَ). إنّ كتاب الله هذا أنزله للأشخاص الذين يريدون أن
يطهّروا أنفسهم من الذنوب ، ويسيروا في طريق الحق ، ويبحثوا عن الحقيقة ، ويسعوا
للوصول إليها ، أمّا من لم يصل إلى هذا الحد من صفاء النظرة وتقوى النفس ، فمن
المسلّم أنّه لن يستطيع أن يستلهم تعاليم القرآن الكريم ويتذوّق حلاوة معرفة الحق
المبين.
إنّ التأثير
العميق الفذّ للقرآن الكريم الذي يحدثه في نفوس سامعيه وقارئيه ، هو بحدّ ذاته
علامة على إعجازه وحقانيته.
ثم يضيف تعالى
: (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ
أَنَّ مِنكُم مُّكَذّبِينَ).
إنّ وجود
المكذبين المعاندين لم يكن مانعاً أبداً من الدليل على عدم حقانيتهم.
إنّ المتقين
وطلّاب الحق يتّعظون به ، ويرون فيه سمات الحق ، وإنّه عون لهم في الوصول إلى طريق
الله سبحانه.
ويضيف في الآية
اللاحقة : (وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ
عَلَى الْكَافِرِينَ).
إنّ هؤلاء
الكفرة الذين يتحدّون القرآن الكريم اليوم ويكذّبونه ، فإنّهم غداً حيث (يوم
الظهور) و (يوم البروز) وهو في نفس الوقت (يوم الحسرة) يدركون مدى عظمة النعمة
التي فرّطوا بها بسبب لجاجتهم وعنادهم ، وما جلبوه لأنفسهم من أليم العذاب.
ولكي لا يتصور
أحد أنّ التكذيب والتشكيك كان بلحاظ غموض وإبهام مفاهيم القرآن الكريم ، فيضيف في
الآية اللاحقة : (وَإِنَّهُ لَحَقُّ
الْيَقِينِ).
يعني أنّ
القرآن الكريم هو (يقين خالص). أو بتعبير آخر : أنّ لليقين مراحل مختلفة ، حيث
يحصل أحياناً بالدليل العقلي كما في حصول اليقين بوجود النار من خلال مشاهدة دخّان
من بعيد ، لذا يقال لمثل هذا الأمر (علم اليقين).
وحينما نقترب
أكثر ونرى إشتعال النار بام أعيننا ، فعند ذلك يصبح اليقين أقوى ويسمّى عندئذ ب (عين
اليقين).
وعندما يكون
اقترابنا أكثر فأكثر ونصبح في محاذاة النار أو في داخلها ونلمس حرارتها