قادرين على الوفاء به ، فإنّه كذب ، حيث أنّك لم تطالبهم بأجر ، كما لم يطلب أي من رسل الله أجراً.
ثم يضيف واستمراراً للحوار بقوله تعالى : (أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ).
ولأنّ العناد واللامنطقية التي كان عليها أعداء الإسلام تؤلم رسول الله صلىاللهعليهوآله وتدفعه إلى أن يدعو الله عليهم ، لذا فإنّه تعالى أراد أن يخفّف شيئاً من آلام رسوله الكريم ، فطلب منه الصبر وذلك قوله تعالى : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ). أي انتظر حتى يهيء الله لك ولأعوانك أسباب النصر ، ويكسر شوكة أعدائك ، واعلم بأنّ الله ممهلهم وغير مهملهم ، وما المهلة المعطاة لهم إلّانوع من عذاب الإستدراج.
ثم يضيف تعالى : (وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ).
والمقصود من هذا النداء هو ما ورد في قوله تعالى : (فَنَادَى فِى الظُّلُمَاتِ أَن لَاإِلهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ).
وبذلك فقد إعترف النبي يونس عليهالسلام بترك الأولى ، وطلب العفو والمغفرة من الله تعالى.
ويضيف سبحانه في الآية اللاحقة : (لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مّن رَّبّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ).
إنّ المقصود من (النعمة) في الآية أعلاه هو توفيق التوبة وشمول الرحمة الإلهية لحاله عليهالسلام حسب الظاهر. لذا يقول الباريء عزوجل في الآية اللاحقة : (فَاجْتَبهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ).
وبذلك فقد حمّله الله مسؤولية هداية قومه مرّة اخرى ، وعاد إليه يبلّغهم رسالة ربّه ، مما كانت نتيجته أن آمن قومه جميعاً.
(وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) (٥٢)
يريدون قتلك ... لكنّهم عاجزون : هاتان الآيتان تشكّلان نهاية سورة القلم ، وتتضمّنان تعقيباً على ما ورد في بداية السورة من نسبة الجنون إليه صلىاللهعليهوآله من قبل الأعداء.
يقول تعالى : (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ). ليزلقونك : من مادة زلق بمعنى التزحلق والسقوط على الأرض ، وهي كناية عن الهلاك والموت.