بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
(إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (١) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (٣) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٤)
مصدر النفاق وعلامات المنافقين : نذكر مقدمة قبل الدخول في تفسير هذه الآيات ، وهي أنّ الإسلام طرح مسألة النفاق والمنافقين مع هجرة الرسول صلىاللهعليهوآله وأصحابه إلى المدينة ، وبداية استحكام اسس الإسلام وظهور عزّه ، فلم تبرز ظاهرة النفاق في مكة ، لأنّ الأعداء يصعب عليهم التجاهر في عدائهم ، بل قد يتعذر ذلك عليهم في بعض الأحيان ، لهذا اختار أعداء الإسلام المهزومون أن يواصلوا خططهم التخريبية من خلال إظهار الإسلام وإبطان الكفر ، وانخرطوا ظاهراً في صفوف المسلمين ، بينما ظلّوا محافظين على كفرهم في باطنهم.
وهكذا تكون غالباً طبيعة أعداء كل ثورة ودعوة بعد إشتداد عودها وقوّة ساعدها ، إذ تواجه الكثير من الأعداء وكأنّهم أصدقاء.
ومن هنا نستطيع أن نفهم لماذا نزلت كل تلك الآيات التي تصف المنافقين وتشرح حالهم ، في المدينة ولم تنزل في مكة.
ومما يجدر الإشارة إليه أنّ هذه المسألة ـ أي مسألة النفاق ـ غير محصورة بعصر الرسول ، بل إنّ جميع المجتمعات ـ وخاصة الثورية منها ـ تكون عرضة للإصابة بهذه الظاهرة الخطيرة ، ولذلك يجب أن يدرس القرآن الكريم وما جاء فيه من تجارب وإرشادات من خلال هذه النظرة الحيوية ، لا من خلال اعتبارها مسألة تاريخية لا علاقة لها بالواقع ، وبهذا يمكن إستلهام الدروس والحكم لمكافحة النفاق وخطوط المنافقين في المجتمعات الإسلامية في الوقت الحاضر.
ومما تجدر الإشارة إليه أيضاً أنّ خطر المنافقين يفوق خطر باقي الأعداء ، لخفائهم وعدم