[١٧٩] ـ (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) إيجاز حوى الفصاحة والبلاغة بجعل القصاص وهو ضدّ الحياة ظرفها ، وتعريفه وتنكيرها لإفادة أنّ في هذا الجنس من الحكم حياة عظيمة ، إذ العلم بالاقتصاص يردع القاتل عن القتل ، فيكون سبب حياة نفسين ؛ ولأنهم كانوا يقتلون غير القاتل ، والجماعة بالواحد ، فتثور الفتن بينهم ، فإذا اقتصّ من القاتل يسلم الباقون فيصير ذلك سببا لحياتهم (يا أُولِي الْأَلْبابِ) : ذوي العقول. نودوا للتفكّر في حكمة القصاص من حفظ النّفوس (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) القتل خوفا من القصاص.
[١٨٠] ـ (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) أي : ظهرت أسبابه وأماراته (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) : مالا كثيرا ؛ لما روي عن عليّ عليهالسلام : أنّه دخل على مولى له ، وله سبعمائة درهم أو ستمائة فقال : ألا اوصي؟ ، فقال : لا ، إنّما قال الله سبحانه : «إن ترك خيرا» وليس لك كثير مال. (١)
وقيل : مطلق المال ، (٢) وهو الموافق لعدم تقييد الأصحاب بالكثير ، ويمكن الجمع : بالتّفصيل بوجود الوارث المحتاج وعدمه. (الْوَصِيَّةُ) مرفوع ب «كتب» وتذكيره بتأويل : «أن توصوا» ، ولهذا ذكّر الراجع في «بدّله» ، وللفصل (لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) قيل : كانت الوصية للوارث في بدء الإسلام واجبة ، فنسخت بآية المواريث ، (٣) وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ الله أعطى كلّ ذي حقّ حقه ، ألا لا وصية لوارث». (٤)
وردّ بأنّ آية المواريث لا تنافيها بل تؤكّدها ؛ لقوله : «من بعد وصيّة» ، ولو سلم
__________________
(١) رواه الطبرسي في تفسير مجمع البيان ١ : ١٦٧.
(٢) قاله الزهري ـ كما في تفسير مجمع البيان ١ : ١٦٧.
(٣) رواه العياشي في تفسيره ١ : ٧٧ الحديث ١٦٧.
(٤) تفسير الكشّاف ١ : ٣٣٤.