(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) إلى آخر الآية. [الكهف : ٢٩ ـ ٣٠ ـ ٣١].
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ) : أي بالقرآن (لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ) : أي إبليس (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) : أي لا يأتي القرآن من بين يديه فينقص منه شيئا (وَلا مِنْ خَلْفِهِ) فيزيد فيه شيئا. أي : حفظه الله من ذلك. وقال في آية أخرى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٩) [الحجر : ٩].
وتفسير الكلبيّ : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) أي : من قبل التوراة ، ولا من قبل الإنجيل ، ولا من قبل الزبور ، وليس منها شيء يكذّب القرآن ولا يبطله. (وَلا مِنْ خَلْفِهِ) أي لا يأتي من بعده كتاب يبطله (١).
قوله : (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ) : أي في أمره (حَمِيدٍ) (٤٢) : أي استحمد إلى خلقه ، أي : استوجب عليهم أن يحمدوه.
قوله : (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) : أي ما قال لهم قومهم من الأذى ؛ كانوا يقولون للرسول : إنّك مجنون ، وإنّك ساحر ، وإنّك كاذب (٢). قال : (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ) : أي لمن تاب وآمن. (وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) (٤٣) : أي لمن لم يتب ولم يؤمن.
قوله : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ) : أي هلا فسّرت آياته وبيّنت (أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ) : أي بالعجميّة والعربيّة ، على مقرإ من قرأها بغير استفهام. ومن
__________________
(١) تفسير الباطل بإبليس وجه من وجوه تأويل الآية ذهب إليه قتادة ومجاهد. وأولى من ذلك أن يكون الباطل بمعنى التكذيب أو ما ليس بحقّ ؛ وهذا ما ذهب إليه سعيد بن جبير والكلبيّ. وقال الطبريّ في تفسيره ج ٢٤ ص ١٢٥ : «وأولى الأقوال بالصواب أن يقال : معناه : لا يستطيع ذو باطل بكيده تغييره بكيده ، وتبديل شيء من معانيه عمّا هو به ...».
(٢) وهذا أيضا وجه من وجوه تأويل الآية إذ جعل المؤلّف القول صادرا من المشركين. وهو تأويل ذهب إليه جمع من المفسّرين. وقيل : إن القول هنا بمعنى ما يقول الله للنبيّ عليهالسلام وللأنبياء قبله ، أي : ما يوحى إليهم من التوحيد والإيمان. وبناء الفعل للمجهول في الآية يوحي بالمعنيين معا. انظر تفسير ابن عاشور ، ج ٢٤ ، ص ٣١٠.