الجبال وصارت الأرض مستوية.
قال تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (٢٢) : أي : جاء أمر ربّك والملك ، وهم جماعة الملائكة ، أي بأمره وبالملائكة صفّا صفّا ، لا كما زعمت المشبّهة أعداء الله أنّ ربّهم يذهب ويجيء ، لأنّ الله ليس بزائل ولا منتقل.
عن ابن عبّاس عن عائشة رضي الله عنهما أنّها قالت : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : أشدّ الناس عذابا يوم القيامة قوم يضاهون الربّ. قالت : فقلت : بأبي أنت وأمّي ، كيف يضاهون الربّ؟ قال : يشبّهون الله بخلقه ، يشبهون بذلك قول اليهود حيث زعموا أنّ الله على صورة آدم (١).
قوله تعالى : (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ). قال : (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) : أي يتوب الإنسان ، يعني : المشرك والمنافق (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) (٢٣) : أي وكيف له التوبة ، أي : لا تقبل توبته يوم القيامة.
قوله تعالى : (يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ) : أي في الدنيا (لِحَياتِي) (٢٤) : يعني بعد الموت ، التي فيها خيرها وشرّها. يتمنّى لو آمن في الدنيا فيحيا في الجنّة. كقوله تعالى : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) [العنكبوت : ٦٤] أي الجنّة (٢).
__________________
(١) انظر الإشارة إليه فيما سلف : ج ٣ ، تفسير الآية ١٤ من سورة (المؤمنون). وقد أورد ابن سلّام في تفسير الآية وصفا لمجيء الله تتقدّمه ملائكة كلّ سماء صفوفا صفوفا في موكب كأنّه موكب بشريّ ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا. أورد ذلك بسند واه بقوله : «حدّثني رجل من أهل الكوفة عن ليث عن شهر بن حوشب قال ... إذا كان يوم القيامة ...» إلى آخر القصّة ، ثمّ روى مشهدا من مشاهد الحساب عن أبان بن أبي عياض عن أبي العالية عن أبيّ بن كعب وصف فيه كيف يجاء بجهنّم إلى موقف الحساب إلى آخر ما هنالك ممّا لا يكاد يصدّقه عاقل. وقد حذف الشيخ هود بن محكّم هذه الروايات التي ينكرها. ارجع إليها إن شئت في مخطوطة ابن أبي زمنين ورقة ٣٩٢ ـ ٣٩٣. ونحن نؤمن بظاهر ألفاظ القرآن وبدلالاتها اللغويّة من غير تأويل للكيف ، وننزّه الباري جلّ وعلا تنزيها مطلقا عن كلّ ما لا يليق به ممّا يؤدّي إلى التشبيه أو التجسيم ، ولا نؤمن إلّا بما جاء به صريح الكتاب مجملا من غير تفصيل ، وبما ثبت عن الصادق المصدوق صلىاللهعليهوسلم وصحّ من أحاديثه.
(٢) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ٢٦٢ : (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) لآخرتي التي فيها الحياة والخلود».