أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٢٨) أنّهم مبعوثون ومجازون.
قال : (وَيَقُولُونَ) : يعني المشركين (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢٩) قال الله : (قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) (٣٠). كانوا يسألون النبيّ متى هذا العذاب الذي تعدنا به ، وذلك منهم استهزاء وتكذيب ؛ فهذا جواب لقولهم.
قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ) : أي لن نصدّق بهذا القرآن (وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) : يعنون التوراة والإنجيل لأنّ الله أمر المؤمنين أن يصدّقوا بالقرآن وبالتوراة والإنجيل أنّهما من عند الله ولا يعمل بما فيهما إلّا ما وافق القرآن. قال بعضهم : وبلغنا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا نزل في القرآن شيء ممّا ذكر في التوراة والإنجيل عمل به ، فإذا نزل في القرآن ما ينسخه تركه.
وقد نزل في القرآن شيء ممّا في التوراة والإنجيل ولم ينسخ في القرآن ، مثل قوله : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها) أي : في التوراة (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ..). إلى آخر الآية [المائدة : ٤٥] فنحن نعمل بها لأنّها لم تنسخ. فجحد مشركو العرب القرآن والتوراة والإنجيل في قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ).
وقال الحسن : قد كان كتاب موسى حجّة على مشركي العرب فقالوا : (لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما
__________________
ـ الأحاديث. وليس في هذه الآية من سورة سبأ ما يدلّ على أنّه بعث للجنّ كما بعث للناس كافّة. والآيات التي تشير إلى عموم رسالته صلىاللهعليهوسلم وردت في القرآن بلفظ : «الناس» إلّا آية الفرقان الأولى : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) فقد وردت بلفظ النذارة لا بلفظ الرسالة. ويمكن أن يشمل لفظ العالمين عالمي الإنس والجنّ معا. والقول بعموم رسالته صلىاللهعليهوسلم للناس بمعنى الإنس دون الجنّ لا يتنافى أبدا مع ما بيّنته آيات سورة الأحقاف [٢٩ ـ ٣٢] من أنّ نفرا من الجنّ صرفهم الله إلى النبيّ عليهالسلام يستمعون القرآن ، ومع ما فصّلته آيات سورة الجنّ الأولى من استماع نفر من الجنّ للقرآن وقولهم فيه إنّه عجب يهدي إلى الرشد وإيمانهم به ، فهذا حقّ لا ريب فيه.
ويعجبني ما قاله الشيخ جمال الدين القاسميّ في تفسيره ، ج ١٤ ص ٢٦ إذ يقول : «والتحقيق في معنى عموم إرساله وشمول بعثته هو مجيئه بشرع ينطبق على مصالح الناس وحاجاتهم أينما كانوا ، وأيّ زمان وجدوا ، ممّا لم يتّفق في شرع قبله قطّ ، ولهذا ختمت النبوّات بنبوّته صلىاللهعليهوسلم