[وحديث الحسن بن دينار عن الحسن قال : أهل الكبائر لا شفاعة لهم] (١). قال : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [الأنبياء : ٢٨] وقال في آية أخرى : (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٨٦) [الزخرف : ٨٦] أي : شهد بلا إله إلّا الله وهم يعلمون ، أي : وقلوبهم مخلصة بشهادة ألّا إله إلّا الله ، يعلمون أنّها الحقّ ويعملون بما يعلمون (٢) ، وليس الشفاعة لهم من معنى قد وجب عليهم ، فلا ، لا ، إلّا لتخفيف بعض أهوال الموقف. قال : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) (٤٨) [المدّثّر : ٤٨] من الملائكة والنبيّين ، أي : إنّ المنافقين لا يشفعون لهم ، إنّما يشفعون لمن ارتضى الله لهم ، وهم المؤمنون.
قوله : (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (٢٣). قال بعضهم : إنّ أهل السماوات لم يسمعوا الوحي فيما بين عيسى وبين محمّد إلى أن بعث محمّد صلىاللهعليهوسلم وعلى جميع الأنبياء. فلمّا بعث الله جبريل إلى محمّد بالوحي سمع أهل السماوات الوحي كجرّ السلاسل على الصخور ، فصعق أهل السماوات مخافة أن تقوم الساعة. فلمّا فرغ من الوحي وانحدر جبريل جعل كلّما مرّ بأهل سماء فزّع عن قلوبهم ، أي : جلّي عن قلوبهم (٣). وقالوا : (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ) فيقولون : الحقّ من عند الحقّ ، يعنون الوحي ، (وَهُوَ الْعَلِيُّ) أي : لا أعلى منه (الْكَبِيرُ) أي : فلا أكبر منه.
ذكروا عن كعب قال : إنّ أقرب الملائكة إلى الله إسرافيل. فإذا أراد الله أمرا أن يوحيه جاء اللوح حتّى يصفق جبهة إسرافيل ، فيرفع رأسه وينظر ، فإذا الأمر مكتوب ، فينادي جبريل ، فيأتيه فيقول : أمرت بكذا ، أمرت بكذا. فلا يهبط جبريل من سماء إلى سماء إلّا فزع أهله مخافة الساعة ، حتّى يقول جبريل : الحقّ من عند الحقّ ، فيهبط على النبيّ صلىاللهعليهوسلم فيوحيه إليه.
قوله تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : يقول للنبيّ :
__________________
(١) زيادة من سح ، ورقة ١٤٧.
(٢) هذه الجملة الأخيرة : «ويعملون بما يعلمون» زيادة من الشيخ هود بن محكّم ليؤكّد بها مبدأ من مبادئه ، ولينفي كلّ شبهة من شبه الإرجاء التي قد تفهم من عبارة ابن سلّام. وكذلك الجملة التي تأتي بعدها إلى قوله : «لتخفيف بعض أهوال الموقف».
(٣) جاء في معاني الفرّاء ، ج ٢ ص ٣٦١ ما يلي : «وقراءة مجاهد : (حَتَّى إِذا فُزِّعَ) يجعل الفعل لله ، وأمّا قراءة الحسن فمعناه : حتّى إذا كشف الفزع عن قلوبهم وفرّغت منه».