قال : (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) : أي هذه بلدة طيّبة (وَرَبٌّ غَفُورٌ) (١٥) : أي لمن تاب وآمن وعمل.
قوله : (فَأَعْرَضُوا) : عمّا جاءت به الرسل (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) : قال بعضهم : العرم : المسنّاة ، يعني الجسر الذي يحبس به الماء ؛ وكان سدّا قد جعل في موضع من الوادي تجتمع فيه المياه (١). وذكروا أنّه إنّما نقبه دابّة يقال له الخلد ، ليس له عينان وله نابان يحفر بهما الأرض.
وفي تفسير مجاهد : إنّ ذلك السيل الذي أرسله الله عليهم من العرم كان ماء أحمر أتى الله به من حيث شاء. وهو الذي شقّ السد وهدمه ، وحفر بطن الوادي عن الجنّتين (٢) فارتفعتا ، وغار عنهما الماء فيبستا (٣).
وقال بعضهم : إنّهم كان لهم واد يجتمع فيه الماء كلّ عام يسقي جناتهم وأرضيهم ؛ فبعث الله عليهم دابّة يقال لها الجرذ ، فنقبت السدّ ، فسال الماء فغرّق جناتهم وأرضيهم.
قوله : (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ) : أي ثمرة (خَمْطٍ) : الخمط : الأراك ، وأكله البرير. (وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) (١٦).
قال : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) (١٧) : أي وهل يعاقب إلّا الكفور. وهو مقرأ أهل الكوفة : أي إنّهم لّما أعرضوا عمّا جاءت به الرسل ابتلاهم الله فغيّر ما بهم ، ثمّ أهلكهم بعد ذلك.
__________________
(١) قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١٤٦ : (سَيْلَ الْعَرِمِ) واحدها عرمة ، وهو بناء مثل المشار يحبس به الماء ببناء فيشرف به على الماء في وسط الأرض ، ويترك فيه سبيل للسفينة ، فتلك العرمات ، واحدتها عرمة ، والمشار بلسان العجم ...».
(٢) كذا جاءت العبارة في ز ، ورقة ٢٧٦ ، وهي أصحّ ، وفي ب وع وسح : «وحفر بطن الوادي عن الجسر».
(٣) «وقوله : (سَيْلَ الْعَرِمِ) كانت مسنّاة كانت تحبس الماء على ثلاثة أبواب منها ، فيسقون من ذلك الماء من الباب الأوّل ، ثمّ الثاني ثمّ الآخر ، فلا ينفد حتّى يثوب الماء من السنة المقبلة ، وكانوا أنعم قوم عيشا. فلمّا أعرضوا وجحدوا الرسل بثق الله عليهم المسنّاة ، فغرقت أرضيهم ودفن بيوتهم الرمل ، ومزّقوا كلّ ممزّق ، حتّى صاروا مثلا عند العرب ، والعرب تقول : تفرّقوا أيادي سبا وأيدي سبا». انظر : معاني الفرّاء ، ج ٢ ص ٣٥٨.