قال بعضهم : مكث سليمان حولا وهو متّكئ على عصاه ، لا يرى الإنس والجنّ إلّا أنّه حيّ على حاله الأولى لتعظم الآية ، بمنزلة ما أذهب الله من علمهم تلك الأربعين الليلة التي غاب فيها سليمان عن ملكه حيث خلفه ذلك الشيطان في ملكه. فكان موته فجأة وهو متكئ على عصاه حولا لا يعلمون أنّه مات. وذلك أنّ الشياطين كانت تزعم للإنس أنّهم يعلمون الغيب فكانوا يعملون له حولا لا يعلمون أنّه مات.
قوله تعالى : (فَلَمَّا خَرَّ) سليمان (تَبَيَّنَتِ الْجِنُ) للإنس (أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) (١٤) [في تلك السخرة ، في تلك الأعمال في السلاسل ، تبيّن للإنس أنّ الجنّ لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين] (١) أي : العذاب الذي لهم فيه الهوان.
قوله : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ) كانوا باليمن. وفي تفسير الحسن وغيره : هي أرض. وقال الحسن : لقد تبيّن لأهل سبأ كقوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] أي : أهل القرية.
ذكروا عن علقمة أنّه سمع ابن عبّاس يقول : سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن سبأ ، أرض هي أم امرأة أم رجل؟ فقال : بل هو رجل ولد عشرة ، فباليمن منهم ستّة ، وبالشام أربعة. فأمّا اليمانيّون فمذحج وحمير وكندة وأنمار والأزد والأشعريّون. وأمّا الشاميّون فلخم وجذام وعاملة وغسان (٢).
قال : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ ، آيَةٌ) ثمّ أخبر بتلك الآية فقال : (جَنَّتانِ) : وتفسير الحسن : أنّ فيها تقديما ، وتقديمها : لقد كان لسبأ في مساكنهم جنّتان ، فوصفهما ، ثمّ قال : (آيَةٌ). قوله : (عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) : أي جنّة عن يمين ، وجنّة عن شمال.
__________________
ـ وشواهد عليها.
(١) ما بين المعقوفين زيادة من سح ، ورقة ١٤٤ للإيضاح.
(٢) أخرجه أحمد وعبد بن حميد والطبرانيّ ، وابن أبي حاتم وابن عديّ والحاكم وصحّحه ، عن ابن عبّاس ، كما في الدرّ المنثور ، ج ٥ ص ٢٣١. وأخرجه الطبريّ في تفسيره ، ج ٢٢ ص ٧٧ عن فروة بن مسيك. وقال عنه ابن عبد البرّ في الاستيعاب ، ج ٣ ص ١٢٦١ : «حديثه في سبأ حديث حسن».