ذكروا عن أبي عبيدة أنّه قال : ترك المكافأة من التطفيف ؛ يعني مكافأة من أهدى. قال بعضهم : هذا ملاطفة تجري بين الإخوان والأخوات والجيران. وقد رأينا الناس يلاطفون فقهاءهم وعلماءهم ويهدون لهم ، يرجون بذلك مودّتهم وتعظيمهم وتشريفهم ، ولا يطلبون بذلك منهم مكافأة ، ويقبل منهم علماؤهم وفقهاؤهم ، ويرون ذلك من مكارم الأخلاق ، ومن سنيّ الفعال ، ويرون ردّ ذلك على إخوانهم الذين طلبوا ملاطفتهم ، وإدخال الرفق عليهم كسرا لهم ، وإزراء بهم ، وعيبا عليهم. وإنّما يكره قبول الهدايا للأمراء والوزراء ، والقضاة والعمّال ، لأنّ قبول الهدايا لهؤلاء رشى في الأحكام ؛ فأمّا من سواهم ممّن ليس بأمير ولا وزير ، ولا قاض ولا عامل ، فلا بأس بقبول الهديّة لهم ، بل هو حسن جميل ، يثبت المودّة ، ويذهب الضغائن والغلّ (١).
قوله : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) : أي تريدون بها الله (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) (٣٩) : أي الذين تضاعف لهم الحسنات (٢).
قوله : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) : يعني البعث (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) : يعني ما تعبدون من دون الله (مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ) : أي يخلق أو يرزق أو يحيي أو يميت (سُبْحانَهُ) : ينزّه نفسه (وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٤٠) : أي ارتفع عمّا
__________________
ـ بالله (رقم ١٦٧٢) عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سأل بالله فأعطوه ، ومن دعاكم فأجيبوه ، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتّى تروا أنّكم قد كافأتموه».
(١) هذا الخبر المنسوب إلى أبي عبيدة وإلى بعضهم هو ـ ولا شكّ ـ من زيادات الشيخ هود الهوّاريّ ، ولم يرد في المخطوطتين سع وسح ، ولا في ز. وأبو عبيدة هذا هو أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميميّ ، الذي أرسى قواعد المذهب الإباضيّ بعد شيخه الإمام جابر بن زيد التابعيّ الجليل. وقد توفّي أبو عبيدة سنة ١٥٨ ه حسبما ذكره بعض المحقّقين ، وقيل سنة ١٥٠ ه. وليت الشيخ هودا ذكر لنا سند هذا الخبر حتّى نتعرّف على شيوخه وعلى نسبه في الدين ، ولكنّه ـ كعادته ـ يحذف أكثر الأسانيد ويكتفي برواية الحديث أو الخبر ، فحرمنا من كثير من وسائل تحقيق هذه الروايات تحقيقا علميّا ، وعلى كلّ فإيراده لهذا الخبر هنا وما يتضمّنه من تفريق بين من يجوز لهم قبول الهدايا وبين من لا يجوز دليل على فقه الرجل وعلمه.
(٢) جاء في ز ورقة ٢٦٤ ما يلي : «قال محمّد : يقال رجل مضعف ، أي : ذو إضعاف من الحسنات ، كما يقال : رجل موسر ، أي : ذو يسار. وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٣٢٥ : «وقوله : (هُمُ الْمُضْعِفُونَ) أهل للمضاعفة ، كما تقول العرب : أصبحتم مسمنين معطشين إذا عطشت إبلهم أو سمنت».