فأراد قتله ؛ فقال له أصحابه : لا تقتله فإنّما هو ساحر ، ومتى ما تقتله أدخلت على الناس في أمره شبهة. ولكن (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) : أي أخّره وأخاه في تفسير الحسن. وقال بعضهم : احبسه وأخاه. (وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) (٣٦) : أي يحشرون عليك السحرة (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ) (٣٧) : أي بالسحر.
قال الله : (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) (٣٨) : وهو قوله : (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) [طه : ٥٩] يوم عيد لهم كان يجتمع فيه أهل القرى والناس ، فأراد موسى عليهالسلام أن يفضحه على رؤوس الناس.
قال : (وَقِيلَ لِلنَّاسِ) : أي قاله بعضهم لبعض : (هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩) لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ) (٤٠).
(فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً) على الاستفهام. (إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ) (٤١) (قالَ) فرعون : (نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (٤٢) : أي في العطيّة والقربة والمنزلة ، في تفسير الحسن ، وقال بعضهم : في العطيّة والفضيلة.
(قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (٤٤) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) (٤٥) : أي تسترط حبالهم وعصيّهم.
لما ألقوا حبالهم وعصيّهم خيّل إلى موسى أنّ حبالهم وعصيّهم حيّات كما كانت عصا موسى. فألقى موسى عصاه فإذا هي أعظم من حيّاتهم. ثمّ رقوا فازدادت حبالهم وعصيّهم عظما في أعين الناس. فجعلت عصا موسى تعظم وهم يرقون ، حتّى أنفدوا سحرهم فلم يبق منه شيء ؛ وعظمت عصا موسى حتّى سدّت الأفق. ثمّ فتحت فاها فابتلعت ما ألقوا. ثمّ أخذ موسى عصاه بيده فإذا حبالهم وعصيّهم قد ذهبت. فهو قوله : (فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ).
(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (٤٦) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (٤٨) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ) : أي أصدّقتموه (قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) : أي كبيركم في السحر ورأسكم (فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) (٤٩).