قوله : (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) (٥٠) : يقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا ، مطرنا بنوء كذا.
ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : لو حبس الله المطر عن أمّتي عشر سنين ، ثمّ صبه عليهم لأصبحت طائفة من أمّتي يقولون : مطرنا بنوء مذحج (١).
ذكر الحسن قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ثلاثة لا يدعهنّ الناس : الفخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالأنواء (٢).
قوله : (وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً) (٥١) : أي رسولا (فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) : أي فيما ينهونك عنه من طاعة الله. (وَجاهِدْهُمْ بِهِ) : أي بالقرآن (جِهاداً كَبِيراً) (٥٢) : أي شديدا. وهذا الجهاد إنّما هو باللسان يومئذ بمكّة قبل أن يؤمر بقتالهم.
قوله : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) : أفاض أحدهما على الآخر في تفسير مجاهد ، يعني العذب والمالح (٣). (هذا عَذْبٌ فُراتٌ) : أي حلو (وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) : أي مرّ. (وَجَعَلَ
__________________
(١) لم أجده فيما بين يديّ من كتب الحديث ، وقد أخرجه ابن سلّام ، بهذا السند : «وحدّثنا حمّاد عن عمرو بن دينار عن عساب بن أبي سعيد الخدريّ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ...» الحديث ، ويؤيّد معنى الحديث ما أخرجه مالك في الموطّأ والبخاريّ في صحيحه من أبواب الاستسقاء عن زيد بن خالد الجهني من حديث قدسيّ جاء فيه : «أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر. فأمّا من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب ، ومن قال : مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب». ومذحج هو مالك بن أدد ، وولده من رجال سعد العشيرة ، انظر ابن دريد ، الاشتقاق ، ص ٣٩٧. والنوء هو سقوط نجم في المغرب مع الفجر وطلوع آخر في المشرق يقابله ، ويعتقد العرب أنّ المطر ينزل بفعلها ، فينسبون إليها الأمطار ، وبذلك كفروا. وهذا من اعتقاد أهل الجاهليّة ، وجاء الإسلام فحرّم كلّ هذا. انظر بعض التفاصيل في ذلك في اللسان : (نوأ).
(٢) حديث صحيح أخرجه مسلم في كتاب الجنائز ، باب التشديد في النياحة (رقم ٩٣٤) عن أبي مالك الأشعريّ ولفظه : «أربع في أمّتي من أمر الجاهليّة لا يتركونهنّ : الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم والنياحة».
(٣) قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ٧٧ : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) إذا تركت الشيء وخلّيته فقد مرجته ، ومنه قولهم : مرج الأمير الناس ، أي : خلّاهم بعضهم على بعض ... وفي الحديث : مرجت عهودهم وأماناتهم أي : اختلطت وفسدت».