قال الله : (كَلَّا) : أي لست براجع إلى الدنيا. وهو مثل قوله : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) (١٠) [المنافقون : ١٠].
قال : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) : أي هذه الكلمة : (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ).
ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : إذا احتضر الإنسان جمع كلّ شيء كان له يمنعه من الحقّ فيجعل بين عينيه ، فيقول عند ذلك : (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ). (١)
قال : (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (١٠٠) : قال مجاهد : البرزخ ما بين الموت إلى البعث (٢). وقال بعضهم : أهل القبور في البرزخ ، وهو الحاجز بين الدنيا والآخرة. وقال بعضهم : البرزخ : ما بين النفختين.
قوله : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ) : والصور قرن. وقد فسّرناه قبل هذا الموضع.
قوله : (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) (١٠١) : ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ثلاثة مواطن لا يسأل فيهنّ أحد أحدا : إذا وضعت الموازين حتّى يعلم أيثقل ميزانه أم يخفّ ، وإذا تطايرت الصحف حتّى يعلم أيأخذ كتابه بيمينه أم بشماله ، وعند الصراط حتّى يعلم أيجوز الصراط أم لا يجوز؟ (٣).
وفي تفسير عمرو عن الحسن أنّ أنسابهم يومئذ قائمة معروفة. قال : يقول الله : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ
__________________
(١) رواه يحيى بن سلّام عن خالد وإبراهيم بن محمّد عن صفوان بن سليم عن سليمان بن عطاء عن رجل من بني حارثة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ... ورواه السيوطيّ عن الديلميّ بدون سند في الدرّ المنثور ، ج ٥ ص ١٥. من حديث جابر بن عبد الله.
(٢) وهو ما ذهب إليه الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ٢٤٢ حيث قال : «البرزخ من يوم يموت إلى يوم يبعث». وقال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ٦٢ : (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ) أي : أمامهم وقدّامهم. قال الشاعر :
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي |
|
وقومي تميم والفلاة ورائيا؟ |
وما بين كلّ شيئين برزخ ، وما بين الدنيا والآخرة برزخ».
(٣) انظر تخريجه فيما سلف ج ٢ ، تفسير الآية ٤٥ من سورة يونس.