لوقعت أهواؤهم على هلاك السماوات والأرض ومن فيهنّ. قال بعضهم : الحقّ ههنا الله.
قال الله : (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ) أي بشرفهم ، أي بشرف من آمن منهم به. قال الحسن : يعني القرآن ، أنزلنا عليهم فيه ما يأتون وما يذرون ، وما يحلّون وما يحرّمون. (فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) (٧١) : أي عمّا بيّنّا لهم معرضون. وقال في آية أخرى : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ) [الأنبياء : ١٠] أي فيه شرفكم ، أي من آمن به منهم.
قوله : (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً) : أي جعلا على ما تدعوهم إليه ، أي : إنّك لا تسألهم عليه أجرا. (فَخَراجُ رَبِّكَ) : أي ثوابه في الآخرة (خَيْرٌ) : من أجرهم لو أعطوك في الدنيا أجرا. قال : (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (٧٢).
وقد جعل الله رزق العباد بعضهم من بعض ، يرزق الله إيّاهم ، فقسم رزق هذا على يد هذا.
ذكر عن أمّ الدرداء (١) قالت : ما بال أحدكم يقول : اللهمّ ارزقني وقد علم أنّ الله لا يمطر عليه من السماء دنانير ولا دراهم ، وإنّما يرزق بعضهم من بعض. فمن أتاه الله برزق فليقبله ، وإن لم يكن إليه محتاجا فليعطه أهل الحاجة من إخوانه ، وإن كان محتاجا استعان به على حاجته ، ولا يردّ على الله رزقه الذي رزقه (٢).
ذكروا عن عمران القصير (٣) قال : لقيت مكحولا بمكّة فأعطاني شيئا ، فانقبضت عنه. فقال : خذه فإنّي سأحدّثك فيه بحديث ، فقلت : حدّثني به ، فما شيء أحبّ إليّ منه. قال : أعطى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عمر شيئا ، فكأنّه انقبض عن أخذه ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إذا أتاك الله بشيء لم
__________________
(١) هي أمّ الدرداء الكبرى ، زوجة أبي الدرداء ، واسمها خيرة بنت أبي حدرد الأسلميّ. وقد حفظت عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ومن زوجها أبي الدرداء ، عويمر الأنصاريّ ، وكانت من الصحابيّات الفضليات ، ذات رأي وعقل وكثرة عبادة. وقد توفّيت بالشام في خلافة عثمان. انظر ابن عبد البرّ ، الاستيعاب ، ج ٤ ص ١٩٣٤.
(٢) وقع اضطراب ونقص في هذا الخبر في مخطوطتي ب وع ، فأثبتّ تصحيحه من سع ورقة ٤٧ و.
(٣) في ب وع : «عمران بن حصين» ، وهو خطأ محض. والصواب ما أثبتّه من سع ورقة ٤٧ ظ : «عمران القصير». ذكره الذهبيّ في ميزان الاعتدال ، ج ٣ ص ٢٤٥ ، وذكره ابن حبّان في كتاب المجروحين ، ج ٢ ص ١٢٣ ، وهو أبو بكر عمران بن مسلم القصير المنقري. أمّا عمران بن حصين فهو الصحابيّ العالم الذي بعثه عمر ليفقّه أهل البصرة ، وتولّى القضاء بها. وتوفيّ سنة اثنتين وخمسين للهجرة. ولا يمكن أن يروي عن مكحول ، إمام أهل الشام ، المتوفّى سنة ثلاث عشرة بعد المائة للهجرة.