اللهم إلّا أن يكون مراده قدسسره ما إذا علم بمطابقة أحد المتعارضين للواقع ، فيكون نظير موارد العلم الإجماليّ ، كالصّلاة الواجبة المردّدة بين الظّهر والجمعة ، فالحجّة المعتبرة الدّالّة على وجوب الصّلاة في ظهر يوم الجمعة معلومة محرزة لا ترديد فيها ، إنّما الشّكّ والتّرديد في الواجب عند مقام التّطبيق ، فتأمّل.
أمّا القول الثّاني ، (وهو قول بعض الأعاظم قدسسره) فوجهه مبتن على ما اختاره قدسسره من تبعيّة الدّلالة الالتزاميّة للمطابقيّة في الوجود والحجّيّة كليهما ، خلافا لما اخترناه ، من كون التّبعيّة إنّما هو في الوجود فقط دون الحجّيّة ، وذكر قدسسره للقول بعدم التّبعيّة في الحجّيّة موارد من النّقض ، ولكن نكتفي بذكر موردين منها : أحدهما : ما لو قامت بيّنة على وقوع قطرة من البول على ثوب ـ مثلا ـ وعلمنا بكذبها ، لكن يحتمل نجاسته بشيء آخر ، كالدّم ، فهل يمكن الحكم بنجاسة الثّوب ، لأجل أنّ إخبار البيّنة عن وقوع البول على الثّوب مطابقة ، إخبار عن نجاسته التزاما لمكان الملازمة ، وبعد سقوط البيّنة عن الحجّيّة في الملزوم للعلم بالخلاف ، لا مانع من الرّجوع إليها بالنّسبة إلى اللّازم ، ولا نظنّ أن يلتزم به فقيه ؛ ثانيهما : ما لو كانت دار تحت يد زيد ، وادّعاها عمرو وبكر ، فقامت بيّنة على كونها لعمرو ، وبيّنة اخرى لبكر ، فبعد تساقطهما في مدلولهما المطابقيّ للمعارضة ، هل يمكن الأخذ بهما في مدلولهما الالتزاميّ والحكم بعدم كون الدّار لزيد وأنّها مجهول المالك؟ (١)
هذا ، ولكن في كلا النّقضين نظر : أمّا الأوّل ، فلأنّ الإخبار عن البول ، إخبار عن نجاسة خاصّة وهي النّجاسة البوليّة لا مطلقا ، ولا معنى لبقائها بعد العلم بكذب
__________________
(١) راجع ، مصباح الاصول : ج ٣ ، ص ٣٦٨ و ٣٦٩.